الحمل ترجع إلى التبادر فإنحصرت العلامة في التبادر.
الأمر الثاني : إنّ تطبيق الكلّي على فرده أمر عقلي لا يرتبط بعالم الاستعمال والألفاظ ، فلا يمكن أن يكون علامة لكون الاستعمال حقيقة (١).
أقول : ليت شعري كيف نسوا ما يسلكونه عملاً في الفقه في مقام كشف المعاني الحقيقية للألفاظ المستعملة في الأبواب المختلفة من الفقه؟ أو لسنا هناك فيما إذا أردنا فهم معنى الغنيمة مثلاً في قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... ) وإنّه هل يعمّ كلّ فائدة ، ولو كانت في غير حروب أو تختصّ بما تؤخذ في معركة الحرب؟ نتمسّك بذيل الاستعمالات المختلفة للفظ الغنيمة في الآيات والرّوايات ونهج البلاغة وأشعار العرب ونستدلّ بها على الخصم ، ونقول إنّ اطّراد استعمالها في الرّوايات وغيرها في مطلق الفوائد أو في غير غنائم الحرب يدلّنا على كونها موضوعة لمطلق الفائدة ولو لم تحصل من ناحية القتال ، أو إذا أردنا أن نعيّن معنى في « الكنز » في كتاب الزّكاة وإنّه هل يختصّ بما يخرج من تحت الأرض أو يعمّ كلّ مال مذخور مستور ذي قيمة؟ نتمسّك بمثل قوله تعالى : ( وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما ) ( في قضيّة خضر وموسى ) وأشباهه ونظائره ثمّ نستدلّ بإطراده في هذا المعنى في استعمالات العرب على كونه حقيقة في مطلق الأشياء الغالية المستورة عن النظر ولو لم يكن تحت الأرض ، وهذا هو المحقّق النحرير الطبرسي رحمهالله في مجمع بيانه وغيره من المفسرين لا يزالون يتمسّكون لفهم معاني الألفاظ الواردة في القرآن بأشعار العرب وسائر موارد استعمالاتها كما لا يخفى على من راجع كلماتهم ، كما إنّك ترى أيضاً رجوع كثير من أرباب اللّغة إلى استعمالات العرب في نظمهم ونثرهم ، ولذلك كانوا يستأنسون بأهل البوادي ويعاشرونهم ، فإذا رأوا اطّراد استعمال لفظ في معنى في محاوراتهم يحكمون بأنّه وضع لذلك المعنى ، كما أنّ هذا أيضاً منهج العلماء في مناظراتهم فهم يقنعون بأبيات من أشعار العرب وغيرها إذا عرض عليهم في موارد مختلفة لإثبات معاني الألفاظ فيما إذا أطرد استعمال لفظ في معنى ، وسيأتي الفرق بين هذه العلامة وبين ما هو منقول عن علم الهدى رحمهالله.
ثمّ إنّ هيهنا اموراً لا بدّ من الإشارة إليها :
الأمر الأوّل : إنّه كيف يدلّ الاطّراد على الحقيقة؟
__________________
(١) راجع المحاضرات : ص ١٢٢.