اختار صاحب الكفاية قدسسره (١) التفصيل ، بدعوى أنّ الصحة والفساد في العبادات عبارة عن مطابقة المأتي به للمأمور به وعدمها ، والمطابقة وعدمها أمران تكوينيان لا ربط لهما بالجعل الشرعي ، بخلاف المعاملات فانّ الصحة والفساد فيها عبارة عن ترتب الأثر وعدمه ، والحكم بترتب الأثر ـ كما في البيع وبعدمه كما في الربا ـ مجعول شرعي ، هذا.
والصحيح : أنّ الصحة والفساد ليستا من المجعولات الشرعية مطلقاً ، فانّ الطبيعة الكلية المجعولة لا تتصف بالصحة والفساد ، وإنّما المتصف بهما هو الفرد الخارجي المحقق أو المقدر ، فيقال : إنّ البيع الفلاني صحيح لكونه واجداً للشرائط ، أو فاسد لعدم كونه واجداً لها ، فالصحة والفساد من أوصاف الفرد الخارجي المحقق وجوده أو المقدر ، فكل فردٍ يكون مطابقاً للطبيعة المجعولة صحيح ، وكل فرد لم يكن من مصاديقها فاسد ، بلا فرق بين العبادات والمعاملات. فالصحة والفساد في العبادات والمعاملات منتزعتان من انطباق الطبيعة المجعولة على الفرد الخارجي وعدمه ، وليستا مجعولتين.
هذا في الصحة والفساد الواقعيتين ، وأمّا الصحة والفساد الظاهريتين ، فحيث إنّ موضوعهما الفرد المشكوك فيه ، فللشارع أن يحكم بترتيب الأثر عليه ، وأن يحكم بعدمه ، فلا محالة تكونان مجعولتين من قبل الشارع ، فقد حكم بالصحة الظاهرية في بعض الموارد كما في الشك بعد تجاوز المحل وبعد الفراغ ، وحكم بالفساد في موارد اخرى كما في بعض الشكوك في ركعات الصلاة.
فتحصّل مما ذكرناه : أنّ الصحيح هو التفصيل بين الصحة والفساد الواقعيتين والظاهريتين ، والالتزام بكون الأوّل غير مجعول والثاني مجعولاً ، بلا فرق بين
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٨٣ و ١٨٤.