وأمّا إذا كان الشك في الحكم ناشئاً من احتمال حدوث تكليف آخر مع اليقين بتحقق الغاية ، كما إذا علمنا بوجوب الجلوس إلى الزوال وعلمنا بتحقق الزوال ، وشككنا في وجوب الجلوس بعد الزوال لاحتمال حدوث تكليف جديد ، فقد يستفاد من طي كلام الشيخ (١) قدسسره عدم جريان استصحاب وجود التكليف فيه ، بل يجري فيه استصحاب عدم التكليف ، لأنّ الشك في حدوث تكليف جديد ، والأصل عدمه.
وأنكر المحقق النائيني (٢) قدسسره كلا الاستصحابين وقال : لا يجري استصحاب الوجود ولا استصحاب العدم ، بل لا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال. أمّا عدم جريان استصحاب الوجود ، فلارتفاع التكليف السابق يقيناً ، فلو ثبت وجوبٌ بعد الغاية فهو تكليف آخر. وأمّا عدم جريان استصحاب العدم ، فلأ نّه إن اريد به استصحاب عدم المجعول ـ أي الحكم ـ فهو وإن كان معدوماً سابقاً إلاّأ نّه بعدم موضوعه ، ولا يجري الاستصحاب في العدم الأزلي الثابت عند عدم موضوعه المعبّر عنه بالعدم المحمولي ، وإنّما يجري في العدم المنتسب إلى المحمول بعد العلم بوجود موضوعه المعبّر عنه بالعدم النعتي. وإن اريد به استصحاب عدم الجعل ، حيث إنّ جعل وجوب الجلوس بعد الزوال مشكوك فيه والأصل عدمه ، فلا أثر لهذا الاستصحاب إلاّالحكم بعدم المجعول ، وإثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل يتوقف على القول بالأصل المثبت ، فانّ عدم المجعول من لوازم عدم الجعل.
وفيه : أنّه يمكن اختيار كل من الشقين : أمّا الشق الأوّل ، فلما عرفت في
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٦٤٨ و ٦٤٩.
(٢) أجود التقريرات ٤ : ١١٢ و ١١٣ ، فوائد الاصول ٤ : ٤٤٥ ـ ٤٤٨.