من الرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فلتكن هي المرجع من أوّل الأمر بلا حاجة إلى جريان الاستصحاب ، فانّ الرجوع إليه حينئذ لغو محض. والثاني غير صحيح ، لأنّ عدم استحقاق العقاب ليس من الأحكام المجعولة الشرعية حتى يصح ترتبه على الاستصحاب ، بل هو من الأحكام العقلية ، فلا يترتب على الاستصحاب المزبور. ثمّ أورد على نفسه بأن استصحاب عدم المنع تترتب عليه الرخصة والاذن ، فأجاب بأنّ المنع عن الفعل والاذن فيه متضادان ، فلا يمكن إثبات أحدهما بنفي الآخر إلاّعلى القول بالأصل المثبت ، انتهى ملخصاً.
وحق الجواب عنه هو ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره في التنبيه التاسع (١) من أن عدم ترتب الأثر غير الشرعي بالاستصحاب إنّما هو بالنسبة إلى الآثار الواقعية للمستصحب ، وأمّا إذا كانت الآثار آثاراً للأعم من الوجود الواقعي والظاهري ، فلا مانع من ترتبها على الاستصحاب. واستحقاق العقاب وعدمه من هذا القبيل ، فانّه وإن كان من الأحكام العقلية ، إلاّأ نّه أثر لمطلق عدم المنع أعم من الواقعي والظاهري ، فانّ العقل كما يحكم بعدم استحقاق العقاب بفعل ما ليس بحرام واقعاً ، كذلك يحكم بعدم استحقاق العقاب بفعل ما ليس بحرام ظاهراً ، فلا مانع من ترتب عدم استحقاق العقاب على استصحاب البراءة وعدم المنع ، فانّه بعد ثبوت البراءة من التكليف وعدم المنع من قبل الشارع عن الفعل ، يحرز موضوع حكم العقل بعدم استحقاق العقاب بالوجدان.
وملخص الكلام في المقام : أنّ ما ذكره الشيخ قدسسره ـ من أنّه بعد جريان الاستصحاب إمّا أن يحتمل العقاب وإمّا أن يجزم بعدمه ـ مندفع باختيار الشق الثاني ، فانّه بعد إحراز عدم التكليف ظاهراً بالاستصحاب ،
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤١٧ و ٤١٨.