وأمّا ما ذكره في الصورة الاولى والثالثة من عدم جريان الاستصحاب لكون الشبهة مصداقية ، ففيه : أنّ الشبهة المصداقية غير متصورة في الامور الوجدانية من اليقين والشك ، فانّه إن احتملت الطهارة في كل واحد من الاناءين في المثال المذكور ، فهو شك بالوجدان ، وإن لم تحتمل الطهارة فهو يقين كذلك ، وقد مرّ غير مرة (١) أنّه لايعتبر في الاستصحاب كون اليقين سابقاً على الشك ، بل المعتبر كون المتيقن سابقاً على المشكوك فيه ، فالميزان في جريان الاستصحاب هو اليقين الفعلي بالحدوث والشك الفعلي في البقاء ، وهما موجودان بالنسبة إلى كل واحد من الاناءين بخصوصه.
ولا يقدح في الاستصحاب احتمال كون هذا الاناء متعلقاً لليقين بالطهارة سابقاً ، فانّ الاستصحاب جارٍ باعتبار اليقين الفعلي بحدوث النجاسة مع الشك في بقائها لا باعتبار اليقين السابق ، وقد ذكرنا (٢) أنّ اليقين بكون هذا الاناء متعلقاً لليقين بالطهارة سابقاً لا يقدح في الاستصحاب مع وجود اليقين الفعلي بالنجاسة والشك في بقائها ، فضلاً عن احتمال كون هذا الاناء متعلقاً لليقين السابق بالطهارة. نعم ، اليقين السابق بالطهارة كان مانعاً عن استصحاب النجاسة حين وجوده.
وبالجملة : بعد كون الميزان في الاستصحاب هو اليقين الفعلي بالحدوث والشك الفعلي في البقاء ، لا يضره اليقين السابق علماً أو احتمالاً. نعم ، احتمال وجود اليقين الفعلي بالطهارة قادح في استصحاب النجاسة ، ولكنّه غير متصور ، لكون اليقين من الامور الوجدانية ، فلا يتصور فيه الاحتمال كما تقدم.
__________________
(١) كما في ص ٨.
(٢) في ص ٢٢٤.