العروة (١) جريان قاعدة التجاوز ، وقرره المحشّون ، ولم نجد التصريح بخلافه. ولكن للمناقشة فيه مجال واسع ، لما ذكرناه سابقاً (٢) من أنّ جريان القاعدة متوقف على صدق المضي والخروج عن محل المشكوك فيه والتجاوز عنه ، ولا يصدق إلاّفيما إذا اعتبر المشكوك فيه سابقاً على الغير ، كالقراءة بالنسبة إلى الركوع. وهذا المعنى مفقود في المقام ، إذ لم يعتبر في القراءة وقوعها سابقاً على القنوت ، وإن كان المعتبر في القنوت تأخره عنها. فمثل القنوت بالنسبة إلى القراءة مثل التعقيب بالنسبة إلى التسليم.
توضيح ذلك : أنّ الجزئية والاستحباب مما لا يجتمعان ، ولا يعقل كون شيء جزءاً للواجب ومستحباً ، إذ الاهمال في مقام الثبوت غير متصور ، فامّا أن تكون الطبيعة المأمور بها مطلقة بالنسبة إلى الخصوصيات ، أو تكون مقيدة بوجود خصوصية على نحو يكون التقيد والقيد كلاهما داخلين في المأمور به ، أو على نحو يكون التقيد داخلاً والقيد خارجاً ، فيكون جزءاً على الأوّل وشرطاً على الثاني ، أو تكون مقيدة بعدم شيء فيكون مانعاً ، ففيما إذالم تكن الطبيعة المأمور بها مقيدة بوجود خصوصية ولا بعدمها ، يكون المكلف مخيراً في تطبيقها في ضمن أيّ خصوصية من الخصوصيات ، غاية الأمر كون الخصوصية تارةً راجحة واخرى مرجوحة وثالثةً بلا رجحان ولا مرجوحية ، كايقاع الصلاة في المسجد أو في الحمام أو في الدار ، وكالصلاة مع القنوت أو بدونه ، فجميع هذه الخصوصيات غير داخلة في المأمور به. ومعنى كون القنوت مثلاً جزءاً مستحباً للصلاة أنّه قد امر به استقلالاً ، غاية الأمر كون الصلاة ظرفاً
__________________
(١) العروة الوثقى ١ : ٦١٣ / فصل في الشك ، المسألة ١٠ [٢٠٣٠].
(٢) في ص ٣٥٣.