ضرار ...» (١) وقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) ، وغيرهما من أدلة نفي الأحكام الضررية والحرجية ، فانّها حاكمة على الأدلة المثبتة للتكاليف بعمومها حتى في موارد الضرر والحرج ، وشارحة لها بأنّ المراد ثبوت هذه التكاليف في غير موارد الضرر والحرج.
القسم الثاني من الحكومة : أن يكون أحد الدليلين رافعاً لموضوع الحكم في الدليل الآخر وإن لم يكن بمدلوله اللفظي شارحاً له كما في القسم الأوّل ، وهذا كحكومة الأمارات على الاصول الشرعية من البراءة والاستصحاب وقاعدة الفراغ وغيرها من الاصول الجارية في الشبهات الحكمية أو الموضوعية ، فانّ أدلة الأمارات لا تكون ناظرةً إلى أدلة الاصول وشارحةً لها ، بحيث لو لم تكن الاصول مجعولة لكان جعل الأمارات لغواً ، فانّ الخبر مثلاً حجة ، سواء كان الاستصحاب حجة أم لا. ولايلزم كون حجية الخبر لغواً على تقدير عدم حجية الاستصحاب ، إلاّأنّ الأمارات موجبة لارتفاع موضوع الاصول بالتعبد الشرعي ، ولا تنافي بينهما ليدخل في التعارض.
والوجه في ذلك : أنّ كل دليل متكفلٍ لبيان حكم لا يكون متكفلاً لتحقق موضوعه ، بل مفاده ثبوت الحكم على تقدير وجود الموضوع ، وأمّا كون الموضوع محققاً أو غير محقق ، فهو خارج عن مدلول هذا الدليل ، ولذا ذكرنا في محلّه (٣) أنّ مرجع القضايا الحقيقية إلى القضايا الشرطية مقدّمها تحقق الموضوع وتاليها ثبوت الحكم ، ومن المعلوم أنّ الموضوع المأخوذ في أدلة
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٣٢ / أبواب الخيار ب ١٧ ح ٣ و ٤ و ٥.
(٢) الحج ٢٢ : ٧٨.
(٣) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ١٣٤ ـ ١٣٥.