وظهر بما ذكرناه عدم صحة ما في الكفاية (١) من أنّ الدليل الدال على عدم الوجوب لايزاحم الدليل الدال على الوجوب ، لأن اللا اقتضاء لايزاحم الاقتضاء ، وذلك لأن اجتماع الاقتضاء واللا اقتضاء في نفسه محال ، فلا تصل النوبة إلى المزاحمة ليقال : إنّ اللا إقتضاء لايزاحم الاقتضاء ، فما ذكره من أنّه لو وقع التزاحم بين الاقتضاء واللا إقتضاء يقدّم الاقتضاء ، لعدم صلاحية اللا إقتضاء لمزاحمة الاقتضاء وإن كان صحيحاً بحسب الكبرى ، إلاّأنّ الصغرى غير محققة ، لعدم إمكان اجتماع الاقتضاء واللا إقتضاء ليقدّم أحدهما على الآخر.
وأمّا إن كان التعارض بدلالة أحد الدليلين على وجوب شيء ، والآخر على حرمته ، فان قلنا بأنّ النهي عبارة عن الزجر عن الشيء المعبّر عنه في اللغة الفارسية ب (جلوگيري كردن) كما هو الصحيح على ما حققناه في محله (٢) من أنّ النهي عن الشيء هو الزجر عنه ، كما أنّ الأمر بالشيء هو البعث والتحريك نحوه ، فلا يمكن دخوله في التزاحم كالصورة السابقة ، لأن قيام الأمارة على وجوب شيء يوجب حدوث المصلحة الملزمة فيه ، وقيام الأمارة على حرمته يوجب حدوث المفسدة الملزمة فيه ، ولا يمكن اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد بلا كسر وانكسار ، فانّه من اجتماع الضدّين ، ولا شبهة في استحالته ، فلا يكون التعارض المذكور من باب التزاحم ، لعدم صحة اجتماع التكليفين في نفسه قبل أن تصل النوبة إلى عجز المكلف عن الامتثال.
وإن قلنا بأنّ النهي عبارة عن طلب الترك ـ على ما هو المعروف بينهم ـ فيكون قيام الأمارة على وجوبه موجباً لحدوث المصلحة في فعله ، وقيام
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٤٠.
(٢) لاحظ محاضرات في اصول الفقه ٣ : ٢٧٢ وما بعدها.