يدل أحدهما على وجوب صلاة الظهر ، والآخر على وجوب صلاة الجمعة ، مع العلم الاجمالي بعدم أحد التكليفين ، فيرجع إلى التعارض بالتناقض ، وقد تقدم استحالة دخول التعارض بالتناقض في التزاحم ، فانّه بعد دلالة أحد الدليلين على وجوب القيام بالمطابقة ودلالة الآخر على عدم وجوبه بالالتزام ، يلزم من قيام الأمارة الاولى حدوث المصلحة الملزمة في القيام ، ومن قيام الأمارة الثانية زوالها عنه ، فيلزم اجتماع وجود المصلحة وعدمها في القيام ، وهو اجتماع نقيضين ، وهو محال في نفسه مع قطع النظر عن عجز المكلف عن الامتثال. وكذا الحال في طرف الجلوس ، ولا حاجة إلى التكرار. هذا كله على القول بأن قيام الأمارة يوجب حدوث المصلحة في فعل المكلف.
وأمّا على القول بأن قيامها يوجب حدوث المصلحة في الالتزام بمؤدى الأمارة وهو عمل القلب ، فيمكن أن يتوهم دخول التعارض في التزاحم في جميع الصور المتقدمة ، بدعوى أنّ قيام الأمارة على وجوب القيام مثلاً يوجب حدوث المصلحة في نفس الالتزام بوجوب القيام ، وكذا قيام الأمارة على وجوب الجلوس يوجب حدوث المصلحة في الالتزام بوجوبه ، وبعد الالتزام بوجوب القيام وبوجوب الجلوس بمقتضى الأمارتين ، يقع التزاحم في مقام الامتثال ، لعدم قدرة المكلف عليهما في آن واحد.
وحيث إنّ هذا التوهم مبني على وجوب الموافقة الالتزامية ، فهو التزام بباطل في باطل ، فانّ القول بالسببية باطل في نفسه ، ومع الالتزام به لم يدل دليل على وجوب الالتزام لتكون له مصلحة. مضافاً إلى ما ذكرناه آنفاً من التكاذب بين الدليلين بحسب الدلالة الالتزامية ، وأنّ الأمارة الدالة على وجوب القيام تدل على عدم وجوب الجلوس بالالتزام ، والأمارة الدالة على وجوب الجلوس تدل على عدم وجوب القيام ، وكيف يمكن الالتزام بوجوب القيام