وفيه : أنّ ما ذكره ـ من أنّ الأخذ بظواهر أخبار الترجيح يوجب حمل إطلاقات أخبار التخيير على الفرد النادر ـ إنّما يتم على القول بالتعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها كما ذهب إليه الشيخ (١) قدسسره وتبعه بعضهم ، فان تساوي الخبرين المتعارضين من جميع الجهات لو لم يكن مجرد فرض غير متحقق فلا خفاء في ندرته. وأمّا على القول بالاقتصار على المرجحات المنصوصة كما هو الصحيح فلا يلزم المحذور المذكور ، إذ المرجح المنصوص منحصر في موافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامة على ما سنتكلم فيه (٢) إن شاء الله تعالى ، وموارد تساوي الخبرين المتعارضين من حيث موافقة الكتاب وعدمها كثيرة جداً ، فانّه لم يذكر في الكتاب الكريم من الأحكام إلاّ عدّة قليلة ، فيمكن أن لا يكون الحكم الذي تعارض فيه الخبران مذكوراً في الكتاب أصلاً ، وكذا موارد تساوي الخبرين المتعارضين من حيث مخالفة العامة أيضاً في غاية الكثرة ، إذ يمكن أن يكون أحدهما موافقاً لطائفة ، والآخر موافقاً لطائفة اخرى منهم ، وكذا يمكن أن يكون الحكم الذي تعارض فيه الخبران غير مذكور في كتبهم ، فانّ فقه العامة ليس على بساطة فقه الخاصة ، وكذا أخبارهم.
وأمّا ما ذكره من لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة ففيه : أنّه لا مانع من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، لجواز أن يكون فيه مصلحة على ما ذكر في محلّه (٣) ، ولذا يكون تقييد الاطلاقات بالأدلة المنفصلة في أبواب الفقه في غاية
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٧٨٠ ـ ٧٨١.
(٢) في ص ٤٩٥ ـ ٤٩٩.
(٣) محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٤٨١ ـ ٤٨٢.