إحداهما موافقة للكتاب. ونسب إلى الوحيد البهبهاني قدسسره (١) أنّه ذهب إلى تقديم الترجيح بجهة الصدور ، وهو مخالفة العامة ، إذ مع كون أحد المتعارضين مخالفاً للعامة نقطع بأنّ الآخر الموافق لهم إمّا غير صادر عن المعصوم أو صدر عن تقية. وذكر صاحب الكفاية قدسسره (٢) أن إطلاقات أخبار الترجيح غير ناظرة إلى بيان الترتيب بين المرجحات ، بل هي واردة لبيان أصل الترجيح وأنّ هذا مرجّح وذاك مرجّح ، فلا وجه للالتزام برعاية الترتيب.
وذكر جماعة منهم المحقق النائيني (٣) قدسسره أنّ ما كان مرجّحاً للصدور كالشهرة يقدّم على مرجّح جهة الصدور والمضمون. وما كان مرجّحاً لجهة الصدور يقدّم على مرجّح المضمون ، فمثل مخالفة العامة يقدّم على الترجيح بموافقة الكتاب ، وذكر في وجه ذلك : أنّ اعتبار مرجّح جهة الصدور فرع اعتبار صدور المتعارضين ، إذ مع عدم إحراز الصدور لا تصل النوبة إلى ملاحظة جهة الصدور ، كما أنّ اعتبار مرجّح المضمون فرع اعتبار صدورهما لبيان الحكم الواقعي ، فما ذكرناه هو مقتضى الترتيب الطبيعي بين المرجحات.
هذه هي الأقوال التي ذكرها الأعلام في المقام ، وللنظر في جميعها مجال واسع.
أمّا ما ذكره الوحيد البهبهاني قدسسره ففيه : أنّ مجرد كون إحدى الروايتين مخالفة للعامة لا يوجب القطع بأنّ الخبر الموافق لهم لم يصدر أو صدر
__________________
(١) الفوائد الحائرية : ٢٢٠ الفائدة ٢١.
(٢) كفاية الاصول : ٤٥٤.
(٣) فوائد الاصول ٤ : ٧٨٠ ـ ٧٨١.