المجتهد متيقناً بكونه محدثاً. نعم ، اليقين والشك من المجتهد إنّما يعتبران في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى تكليف نفسه لا بالنسبة إلى المقلّد ، وكذا جميع القواعد الفقهية كقاعدة الفراغ من الصلاة فيما إذا شك في نقصان ركن من أركان صلاته ، فيفتي له المجتهد بالصحة لأجل الفراغ وإن كان هو عالماً بنقصان ركن من أركان صلاته ، ولا يقبل قوله بنقصان الركن إلاّمن باب الشهادة إذا اعتبرنا شهادة العدل الواحد في أمثال هذه المقامات.
وأمّا على القول بحجيته في الأحكام الكلّية أيضاً بأن يقال : الشك المأخوذ في الاستصحاب شامل لما كان منشؤه عدم وصول البيان من قبل الشارع ، أو الامور الخارجية ، ويشمل الصورتين دليل واحد ، كما مرّ (١) نظيره في شمول حديث الرفع للشبهات الحكمية والموضوعية ، لكون المراد منه كل حكم مجهول ، سواء كان منشأ الجهل عدم تمامية البيان من قبل الشارع كاجمال النص ، أو الامور الخارجية ، ولا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.
فيكون الاستصحاب حينئذ ذا جهتين ، فمن جهة كونه حجةً في الأحكام الكلّية يكون البحث عنه بحثاً عن مسألة اصولية ، لما ذكرناه في أوّل هذه الدورة (٢) من أنّ الميزان في المسألة الاصولية إمكان وقوع النتيجة في طريق استنباط الأحكام الشرعية بلا احتياج إلى مسألة اخرى ، أي أنّ المسألة الاصولية ما يمكن أن تقع نتيجتها في كبرى القياس الذي ينتج نفس الحكم الشرعي بلا احتياج إلى شيء آخر ، وحينئذ يعتبر فيه اليقين السابق والشك اللاحق من المجتهد كما في سائر القواعد الاصولية ، فبعد تحقق اليقين السابق
__________________
(١) في الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ٣٠١ ، ٣٠٤.
(٢) دراسات في علم الاصول ١ : ٢٤ و ٢٥ ، محاضرات في اصول الفقه ١ : ٤.