لا أنّه يوجد به كما مرّ (١) ، فهذا الاعتبار النفساني تارةً يكون بنحو الثبوت وأنّ المولى يثبت شيئاً في ذمة العبد ويجعله ديناً عليه ، كما ورد في بعض الروايات أنّ دين الله أحق أن يقضى (٢) ، فيعبّر عنه بالوجوب ، لكون الوجوب بمعنى الثبوت (٣) ، واخرى يكون بنحو الحرمان ، وأنّ المولى يحرم العبد عن شيء ويسد عليه سبيله ، كما يقال في بعض المقامات : إنّ الله تعالى لم يجعل لنا سبيلاً إلى الشيء الفلاني ، فيعبّر عنه بالحرمة ، فانّ الحرمة هو الحرمان عن الشيء (٤) ، كما ورد أنّ الجنة محرّمة على آكل الربا (٥) مثلاً ، فانّ المراد منه المحرومية عن الجنّة ، لا الحرمة التكليفية ، وثالثةً يكون بنحو الترخيص وهو الاباحة بالمعنى الأعم ، فانّه تارةً يكون الفعل راجحاً على الترك ، واخرى بالعكس ، وثالثةً لا رجحان لأحدهما على الآخر ، وهذا الثالث هو الاباحة بالمعنى الأخص.
فهذه هي الأحكام التكليفية ، والعبارة الجامعة أنّ الأحكام التكليفية عبارة عن الاعتبار الصادر من المولى من حيث الاقتضاء والتخيير ، كما هو مذكور في بعض الكلمات ، وما سواها كلّه أحكام وضعية ، سواء كان متعلقاً بفعل المكلف ، كالشرطية والمانعية والصحة والفساد أم لا كالملكية والزوجية وغيرهما ، فكل اعتبار من الشارع سوى الخمسة المذكورة حكم وضعي. وبعد ما عرفت المراد من الحكم ، والفرق بين التكليفي منه والوضعي ، فهل الحكم الوضعي مجعول
__________________
(١) مرّ في ص ٨٥ ، ولمزيد الاطلاع راجع محاضرات في اصول الفقه ١ : ٩٢.
(٢) سنن النسائي ٥ : ١١٨.
(٣) كما في المنجد : ٨٨٧ والمصباح المنير : ٦٤٨.
(٤) المنجد : ١٢٨ ، المصباح المنير : ١٣١.
(٥) ورد مضمونه في الوسائل ١٨ : ١١٧ / أبواب الربا ب ١.