ثالثتها (١)
(١) هذه ثالثة المقدمات ، وحاصلها : أن الإطلاق موقوف على انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، إذ معه يصح أن يعتمد المتكلم في مقام البيان عليه إذا كان ذلك المتيقن منسبقاً إلى ذهن المخاطب من اللفظ ، بحيث يكون الكلام ظاهراً في كون ذلك البعض متيقن الإرادة بالنسبة إلى أفراد المطلق ، فهذا التيقن يمنع عن إحراز إرادة الإطلاق من المطلق ، فلو أراد البعض المتيقن منه لم يكن التعبير بالمطلق مخلا بالغرض ، لصحة الاتكال في بيان المتيقن على تيقنه بعد أن كانت وظيفته افهام المخاطب باللفظ ، وكان المتيقن منفهماً من اللفظ ، فكأنه صرح بأن مراده هو المتيقن.
وبالجملة : فالتيقن صالح لأن يكون بياناً لإرادة ذلك المتيقن ، دون غيره ، فلو أطلق المتكلم الكلام وأراد غير المتيقن ، ولم ينصب قرينة على مراده كان ذلك مخلا بغرضه. ولا بأس بذكر مثال للمتيقن عند التخاطب ، وهو كما إذا فرض أن المعصوم عليهالسلام سئل عن حكم وقوع نجاسة في بئر معينة ، فأجاب صلوات الله عليه بأن «ماء البئر واسع لا يفسده شيء» ، فان تيقن تلك البئر من الآبار في الحكم المذكور انما هو بسبب وقوعها في السؤال ، فالتيقن مستند إلى الكلام لا إلى الخارج.
وكذا إذا كان التيقن مستنداً إلى ما يكتنف بالكلام من الخصوصيات بحيث لا يخرج سبب التيقن عن الكلام ، كما إذا قال : «أكرم عالماً» فان العالم وان كان شاملا للمنجم إلّا أن نفس لفظ العالم ـ خصوصاً بمناسبة وجوب الإكرام ـ ينصرف إلى الفقيه ، بحيث يصير هو متيقن الإرادة. هذا كله في القدر المتيقن في مقام التخاطب. وأما القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب ، فسيأتي إن شاء الله تعالى.