والمنسوخ ، فكان الناسخ في هذا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) (١) قال : فلما وقع النهي لم يجز للإنسان أن يقول : الطعام عليّ حرام ، وما أشبه ذلك من الحلال ، فإن قال إنسان شيئا من ذلك كان قوله باطلا ، وإن حلف على ذلك بالله كان له أن يأتي الذي هو خير ، ويكفّر عن يمينه.
والمسألة الرابعة : أن نقول : مما يسأل عنه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) (٢) الآية. فإن فيها إخبارا بأنه عليه الصلاة والسلام حرّم على نفسه ما أحله الله ، وقد يدل عليه : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا) (٣) ، ومثل هذا يجل مقام النبي صلىاللهعليهوسلم عن مقتضى الظاهر فيه ، وأن يكون منهيّا عنه ابتداء ثم يأتيه ، حتى يقال له فيه : لم تفعل؟ فلا بد من النظر في هذه المصارف.
والجواب : أن آية التحريم إن كانت هي السابقة على آية العقود ، فظاهر أنها مختصة بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، إذ لو أريد الأمة ـ على قول من قال من الأصوليين ـ لقال : (لم تحرّمون ما أحلّ الله لكم)؟ كما قال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (٤) الآية ، بيّن لأن سورة التحريم قبل آية الأحزاب ، ولذلك لما آلى النبي صلىاللهعليهوسلم من نسائه شهرا بسبب هذه القصة نزل عليه في سورة الأحزاب : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَ) (٥) الخ ، وأيضا فيحتمل التحريم بمعنى الحلف على أن لا يفعل ، والحلف إذا وقع فصاحبه مخيّر بين أن يترك المحلوف عليه وبين أن يفعله ويكفر ، وقد جاء في آية التحريم : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) (٦) فدلّ على أنه كان يمينا حلف صلىاللهعليهوسلم بها ، وذلك أن الناس اختلفوا في هذا التحريم فقال جماعة : إن كان تحريما لأم ولده مارية القبطية ، بناء على أن الآية نزلت في شأنها ، وممن قال به الحسن وقتادة والشعبي ونافع مولى ابن عمر ، أو كان تحريما لعسل
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.
(٢) سورة : التحريم ، الآية : ١.
(٣) سورة : المائدة ، الآية : ٨٧.
(٤) سورة : الطلاق ، الآية : ١.
(٥) سورة : الأحزاب ، الآية : ٢٨.
(٦) سورة : التحريم ، الآية : ٢.