فإن الظن أكذب الحديث» (١) ، وهذه من كلام هذا المتأخر زلة عفا الله عنه.
فصل
ومنها : تخرّصهم (٢) على الكلام في القرآن والسنة العربيين مع العرو عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله ، فيفتاتون (٣) على الشريعة بما فهموا ، ويدينون به ، ويخالفون الراسخين في العلم ، وإنما دخلوا في ذلك من جهة تحسين الظن بأنفسهم ، واعتقادهم أنهم من أهل الاجتهاد والاستنباط ، وليس كذلك ، كما حكي عن بعضهم أنه سئل عن قول الله تعالى : (رِيحٍ فِيها صِرٌّ) (٤) فقال : هو هذا الصرصر ، يعني : صرار الليل ، وعن النظام أنه كان يقول : إذا آلى المرء بغير اسم الله لم يكن موليا ، قال : لأن الإيلاء مشتق من اسم الله ، وقال بعضهم في قول الله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (٥) ، لكثرة أكله من الشجرة ، يذهبون إلى قول العرب غوى الفصيل إذا أكثر من اللبن حتى بشم ، ولا يقال فيه غوى ، وإنما غوى من الغي ، وفي قوله سبحانه : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) (٦) أي : ألقينا فيها ، كأنه عندهم من قول العرب : (ذرته الريح) وذلك لا يجوز لأن ذرأنا مهموز وذرته غير مهموز ، وكذلك إذا كان من أذرته الدابة عن ظهرها لعدم الهمزة ، ولكنه رباعي وذرأنا ثلاثي.
وحكى ابن قتيبة عن بشر المريسي أنه كان يقول لجلسائه : قضى الله لكم الحوائج على أحسن الوجوه وأهيئها ، فسمع قاسم التمار قوما يضحكون ، فقال : هذا كما قال الشاعر :
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : النكاح ، باب : لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع (الحديث : ٩ / ١٧١). وأخرجه مسلم في كتاب : البر والصلة ، باب : تحريم الظن والتجسس والتنافس (الحديث : ٢٥٦٣). وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب : حسن الخلق ، باب : ما جاء في المهاجرة (الأحاديث : ٢ / ٩٠٧ ، ٩٠٨). وأخرجه أبو داود في كتاب : الأدب ، باب : في الغيبة (الأحاديث : ٤٨٨٢ ، ٤٩١٧). وأخرجه الترمذي في كتاب : البر والصلة ، باب : ما جاء في شفقة المسلم على المسلم (الحديث : ١٩٢٨).
(٢) تخرّص : تكذّب بالباطل.
(٣) افتات : افترى واختلق.
(٤) سورة : آل عمران ، الآية : ١١٧.
(٥) سورة : طه ، الآية : ١٢١.
(٦) سورة : الأعراف ، الآية : ١٧٩.