قال الطرطوشي : فحمله عندنا على أحد وجهين : إما أنهم يصلونها جماعة ، وإما أفذاذا على هيئة النوافل في أعقاب الفرائض. وذكر أشياء من البدع القولية مما نص العلماء على أنها بدع ، فصح أن البدع لا تختص بالعقائد. وقد تقررت هذه المسألة في كتاب (الموافقات) بنوع آخر من التقرير.
نعم ثمّ معنى آخر ينبغي أن يذكر هنا. وهي :
المسألة الخامسة :
وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلّيّ في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة ، لا في جزئي من الجزئيات ، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعا ، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية ، لأن الكليات تقتضي عددا من الجزئيات غير قليل ، وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب.
واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلي ، فإن المخالفة فيها أنشأت بين المخالفين خلافا في فروع لا تنحصر ، ما بين فروع عقائد وفروع أعمال.
ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات ، فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة ، كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضا ، وأما الجزئي فبخلاف ذلك ، بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة ، وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين ، حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ثلاث يهدمن الدين : زلة العالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون. ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين بخلاف الكليات.
فأنت ترى موقع اتباع المتشابهات كيف هو في الدين إذا كان اتباعا مخلّا بالواضحات ، وهي أم الكتاب ، وكذلك عدم تفهم القرآن موقع في الإخلال بكلياته وجزئياته.
وقد ثبت أيضا للكفار بدع فرعية ، ولكنها في الضروريات وما قاربها ، كجعلهم لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، ولشركائهم نصيبا ثم فرعوا عليه أن ما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ، وما كان لله وصل إلى شركائهم وتحريمهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ،