الأديان دون دين الإسلام ، لكن الحديث بين أنه واقع في الأمة أيضا ، فانتظمته الآية بلا إشكال.
فإذا تقرر هذا ظهر به أن التعيين للفرقة الناجية بالنسبة إليها اجتهادي لا ينقطع الخلاف فيه ، وإن ادّعي فيه القطع دون الظن فهو نظري لا ضروري ولكنا مع ذلك نسلك في المسألة ـ بحول الله ـ مسلكا وسطا يذعن إلى قبوله عقل الموفق ويقر بصحته العالم بكليات الشريعة وجزئياتها ، والله الموفق للصواب. فنقول :
لا بدّ من تقديم مقدمة قبل الشروع في المطلوب ، وذلك أن الإحداث في الشريعة إنما يقع إما من جهة الجهل ، وإما من جهة تحسين الظن بالعقل ، وإما من جهة اتباع الهوى في طلب الحق ، وهذا الحصر بحسب الاستقراء من الكتاب والسنّة ، وقد مرّ في ذلك ما يؤخذ منه شواهد المسألة ، إلا أن الجهات الثلاث قد تنفرد وقد تجتمع ، فإذا اجتمعت فتارة تجتمع منها اثنتان وتارة تجتمع الثلاث ، فأما جهة الجهل فتارة تتعلق بالأدوات التي بها تفهم المقاصد ، وتارة تتعلق بالمقاصد ، وأما جهة تحسين الظن فتارة يشرك في التشريع مع الشرع ، وتارة يقدم عليه ، وهذان النوعان يرجعان إلى نوع واحد ، وأما جهة اتباع الهوى ، فمن شأنه أن يغلب الفهم حتى يغلب صاحبه الأدلة أو يستند إلى غير دليل ، وهذان النوعان يرجعان إلى نوع واحد ، فالجميع أربعة أنواع : وهي الجهل بأدوات الفهم والجهل بالمقاصد ، وتحسين الظن بالعقل ، واتباع الهوى. فلنتكلم على كل واحد منها وبالله التوفيق.
النوع الأول :
إن الله عزوجل أنزل القرآن عربيا لا عجمة فيه ، بمعنى أنه جار في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب ، قال الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (١) وقال تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (٢) وقال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٣) وكان المنزل عليه القرآن عربيّا أفصح من نطق
__________________
(١) سورة : الزخرف ، الآية : ٣.
(٢) سورة : الزمر ، الآية : ٢٨.
(٣) سورة : الشعراء ، الآيات : ١٩٣ ـ ١٩٥.