فإن قيل : إنما يشترط حذرا من مخالفة الأدلة فإن العامي لا يعرفها.
قيل : بل المراد استحسان ينشأ عن الأدلة ، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم قصروا أحكامهم على اتباع الأدلة وفهم مقاصد الشرع.
فالحاصل : إن تعلق المبتدعة بمثل هذه الأمور تعلق بما لا يغنيهم ولا ينفعهم البتة ، لكن ربما يتلعقون في آحاد بدعتهم بآحاد شبه ستذكر في مواضعها إن شاء الله ، ومنها ما قد مضى.
فصل
فإن قيل : أفليس في الأحاديث ما يدل على الرجوع إلى ما يقع في القلب ويجري في النفس ، وإن لم يكن ثمّ دليل صريح على حكم من أحكام الشرع ، ولا غير صريح؟ فقد جاء في الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان يقول : «دع ما يريبك ، إلا ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة» (١).
وخرّج مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن البر والإثم فقال : «البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه» (٢) ، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله ما الإيمان؟ قال : «إذا سرتك حسناتك وساءتك سيئاتك فأنت مؤمن» قال : يا رسول الله! فما الإثم؟ قال : «إذا حاك شيء في صدرك فدعه» (٣) ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، وعن وابصة رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن البر والإثم فقال : «يا وابصة! استفت قلبك ، واستفت نفسك ، البر ما اطمأنت إليه النفس
__________________
(١) أخرجه الترمذي في كتاب : صفة القيامة ، باب : ٦٠ (الحديث : ٢٥١٨). وأخرجه النسائي في كتاب : الأشربة ، باب : الحث على ترك الشبهات (الأحاديث : ٨ / ٣٢٧ ، ٣٢٨).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب : البر والصلة ، باب : تفسير البر والإثم (الحديث : ٢٥٥٣). وأخرجه الترمذي في كتاب : الزهد ، باب : ما جاء في البر والإثم (الحديث : ٢٣٩٠).
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير ، وأحمد في المسند ، وابن حبان في سننه ، والحاكم ، والبيهقي ، والضياء في المختارة ومجمع الزوائد (١ / ٨٦).