والأبرص ويحيي الموتى وهو كلام طائفة أخرى ، ولم ينظروا إلى أصله ونشأته بعد أن لم يكن ، وكونه كسائر بني آدم يأكل ويشرب وتلحقه الآفات والأمراض ، والخبر مذكور في السير.
والحاصل : أنهم إنما أتوا لمناظرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومجادلته لا يقصدون اتباع الحق. والجدال على هذا الوجه لا ينقطع ، ولذلك لما بين لهم الحق ولم يرجعوا عنه دعوا إلى أمر آخر خافوا منه الهلكة فكفوا عنه ، وهو المباهلة ، وهو قوله تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) الآية ، وشأن هذا الجدال أنه شاغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، كالنرد ، والشطرنج وغيرهما.
وقد نقل عن حماد بن زيد أنه قال : جلس عمرو بن عبيد وشبيب بن شيبة ليلة يخاصمان إلى طلوع الفجر ، قال : فلما وصلوا جعل عمرو يقول : هيه أبا معمر! هيه أبا معمر! فإذا رأيتم أحدا شأنه أبدا الجدال في المسائل مع كل أحد من أهل العلم ، ثم لا يرجع ولا يرعوي ، فاعلموا أنه زائغ القلب متبع للمتشابه فاحذروه.
وأما ما يرجع للأول فعامة لجميع العقلاء من الإسلام ، لأن التواصل والتقاطع معروف عند الناس كلهم ، وبمعرفته يعرف أهله ، وهو الذي نبه عليه حديث الفرق إذ أشار إلى الافتراق شيعا بقوله : «وستفترق هذه الأمة على كذا» (٢) ولكن هذا الافتراق إنما يعرف بعد الملابسة والمداخلة ، وأما قبل ذلك فلا يعرفه كل أحد ، فله علامات تتضمن الدلالة على التفرق. أولها : مفاتحة الكلام ، وذلك إلقاء المخالف لمن لقيه ذم المتقدمين ممن اشتهر علمهم وصلاحهم واقتداء الخلف بهم ، ويختص بالمدح من لم يثبت له ذلك من شاذ مخالف لهم ، وما أشبه ذلك.
__________________
(١) سورة : آل عمران ، الآية : ٦١.
وذكر الخبر ياقوت الحموي في كتابه : معجم البلدان (٥ / ٢٦٩).
(٢) تقدم تخريجه ص : ٤٥٨ ، الحاشية : ١.