اعتبار بالاحتجاج بالحديث على استحسان شيء واستقباحه بغير دليل شرعي.
ومنهم من ترقى في الدعوى حتى يدعي فيها الإجماع من أهل الأقطار ، وهو لم يبرح من قطره ، ولا بحث عن علماء أهل الأقطار ، ولا عن تبيانهم فيما عليه الجمهور ، ولا عرف من أخبار الأقطار خبرا ، فهو ممّن يسأل عن ذلك يوم القيامة.
وهذا الاضطراب كله منشؤه تحسين الظن بأعمال المتأخرين ـ وإن جاءت الشريعة بخلاف ذلك ـ والوقوف مع الرجال دون التحري للحق.
والثامن : رأي قوم ممن تقدم زماننا هذا ـ فضلا عن زماننا ـ اتخذوا الرجال ذريعة لأهوائهم وأهواء من داناهم ، ومن رغب إليهم في ذلك ، فإذا عرفوا غرض بعض هؤلاء في حكم حاكم أو فتيا تعبدا وغير ذلك ، بحثوا عن أقوال العلماء في المسألة المسئول عنها حتى يجدوا القول الموافق للسائل فأفتوا به ، زاعمين أن الحجة في ذلك لهم قول من قال : اختلاف العلماء رحمة ، ثم ما زال هذا الشر يستطير في الأتباع وأتباعهم ، حتى لقد حكى الخطابي عن بعضهم أنه يقول : كل مسألة ثبت لأحد من العلماء فيها القول بالجواز ـ شذ عن الجماعة أولا ـ فالمسألة جائزة ، وقد تقررت هذه المسألة على وجهها في كتاب (الموافقات) ، والحمد لله.
والتاسع : ما حكى الله عن الأحبار والرهبان قوله : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) (١) فخرج الترمذي عن عديّ بن حاتم قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم ـ وفي عنقي صليب من ذهب ـ فقال : «يا عدي ، اطرح عنك هذا الوثن» وسمعته يقرأ في سورة براءة : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) قال : «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكن إذا أحلّوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرّموا عليهم شيئا حرموه» (٢) حديث غريب.
وفي تفسير سعيد بن منصور قيل لحذيفة : أرأيت قول الله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ)؟ قال حذيفة : أما أنهم لم يصلوا لهم ، ولكنهم كانوا ما أحلوا
__________________
(١) سورة : التوبة ، الآية : ٣١.
(٢) أخرجه الترمذي في كتاب : التفسير ، باب : ومن سورة براءة (الحديث : ٣٠٩٤). وأخرجه ابن جرير (رقم : ١٦٦٣١ ، ١٦٦٣٢ ، ١٦٦٣٣). وأورده السيوطي في الدرر المنثور (٣ / ٢٣٠).