الصلاة والسلام : «هذا كما قالت بنو إسرائيل : اجعل لنا إلها» الحديث. فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله ، لا أنه هو بنفسه ، فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه ما لم ينص عليه مثله من كل وجه ، والله أعلم.
المسألة الثانية عشرة :
أنه عليه الصلاة والسلام أخبر أنها كلها في النار ، وهذا وعيد يدل على أن تلك الفرق قد ارتكبت كل واحدة منها معصية كبيرة أو ذنبا عظيما ، إذ قد تقرر في الأصول أن ما يتوعد الشر عليه فخصوصيته كبيرة ، إذ لم يقل : كلها في النار ، إلا من جهة الوصف الذي افترقت بسببه عن السواد الأعظم وعن جماعته ، وليس ذلك إلا لبدعة مفرقة ، إلا أنه ينظر في هذا الوعيد ، هل هو أبديّ أم لا؟ وإذا قلنا : إنه غير أبدي ، هل هو نافذ أم في المشيئة؟
أما المطلب الأول : فينبني على أن بعض البدع مخرجة من الإسلام ، أو ليست مخرجة ، والخلاف في الخوارج وغيرهم من المخالفين في العقائد موجود ـ وقد تقدم ذكره قبل هذه ـ فحيث نقول بالتكفير لزم منه تأبيد التحريم على القاعدة إن الكفر والشرك لا يغفره الله سبحانه. وإذا قلنا بعدم التكفير فيحتمل ـ على مذهب أهل السنة ـ أمرين :
أحدهما : نفوذ الوعيد من غير غفران ، ويدل على ذلك ظواهر الأحاديث ، وقوله هنا : كلها في النار» (١) أي مستقرة ثابتة فيها.
فإن قيل : ليس إنفاذ الوعيد بمذهب أهل السنة.
قيل : بلى قد قال به طائفة منهم في بعض الكبائر في مشيئة الله تعالى ، لكن دلهم الدليل في خصوص كبائر على أنها خارجة عن ذلك الحكم ، ولا بدّ من ذلك ، فإن المتّبع هو الدليل ، فكما دلهم على أن أهل الكبائر على الجملة في المشيئة كذلك دلهم على تخصيص ذلك العموم الذي في قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٢) فإن الله تعالى قال :
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٤٥٨ ، الحاشية : ١.
(٢) سورة : النساء ، الآية : ٤٨.