فمن؟» (١) زيادة إلى حديث الترمذي الغريب ، فدلّ ضرب المثال في التعيين على أن الاتباع في أعيان أفعالهم.
وفي الصحيح عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل خيبر ونحن حديثو عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم ، يقال لها : (ذات أنواط) فقلنا : يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «الله أكبر كما قالت بنو إسرائيل : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، لتركبن سنن من كان قبلكم» (٢) وصار حديث الفرق بهذا التفسير صادقا على أمثال البدع التي تقدمت لليهود والنصارى ، وأن هذه الأمة تبتدع في دين الله مثل تلك البدع وتزيد عليها ببدعة لم تتقدمها واحدة من الطائفتين ، ولكن هذه البدعة الزائدة إنما تعرف بعد معرفة البدع الأخر ، وقد مرّ أن ذلك لا يعرف ، أو لا يسوغ التعريف به وإن عرف ، فكذلك لا تتعين البدعة الزائدة ، والله أعلم.
وفي الحديث أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بما أخذ القرون من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، فقال رجل : يا رسول الله! كما فعلت الفرس والروم؟ قال : وهل الناس إلا أولئك؟» (٣) وهو بمعنى الأول ، إلا أنه ليس فيه ضرب مثل ، فقوله : «حتى تأخذ أمتي بما أخذ القرون من قبلها» يدل على أنها تأخذ بمثل ما أخذوا به ، إلا أنه لا يتعين في الاتباع لهم أعيان بدعهم ، بل قد تتبعها في أعيانها وتتبعها في أشباهها ، فالذي يدل على الأول قوله : «لتتبعن سنن من كان قبلكم» الحديث فإنه قال فيه : «حتى لو دخلوا في جحر ضب خرب لا تبعتموهم».
والذي يدل على الثاني قوله : فقلنا : يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط ، فقال عليه
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٤٦١ ، الحاشية : ٢.
(٢) أخرجه الترمذي في كتاب : الفتن ، باب : ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم (الحديث : ٢١٨١).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب : الاعتصام ، باب : قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لتتبعن سنن من كان قبلكم» (الحديث : ١٣ / ٢٥٤).