ثم قال لمالك : هل لمن سبّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الفيء حق؟ قال : لا! ولا كرامة ولا مسرّة ، قال : من أين قلت ذلك؟ قال : قال الله عزوجل : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (١) فمن عابهم فهو كافر ، ولا حق لكافر في الفيء.
واحتج مرة أخرى في ذلك بقوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) (٢) إلى آخر الآيات الثلاث قال : فهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين هاجروا معه ، وأنصاره (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (٣) فمن عدا هؤلاء فلا حق لهم فيه ، وفي فعل خواص الفرق من هذا المعنى كثير.
وأما بعث الدجالين ، فقد كان ذلك جملة ، منهم من تقدم في زمان بني العباس وغيرهم. ومنهم معد من العبيدية الذين ملكوا إفريقيا ، فقد حكي عنه أنه جعل المؤذن يقول : أشهد أن معدا رسول الله ، عوضا من كلمة الحق : أشهد أن محمدا رسول الله ، فهمّ المسلمون بقتله ثم رفعوه إلى معد ليروا هل هذا عن أمره؟ فلما انتهى كلامهم إليه ، قال : أردد عليهم أذانهم لعنهم الله.
ومن يدعي لنفسه العصمة ، فهو شبه من يدعي النبوة ، ومن يزعم أنه به قامت السموات والأرض ، فقد جاوز دعوى النبوة ، وهو المغربي المتسمي بالمهدي.
وقد كان في الزمان القريب رجل يقال له الفازازي ادعى النبوة ، واستظهر عليها بأمور موهمة للكرامات ، والإخبار بالمغيبات ، ومخيلة لخوارق العادات ، تبعه على ذلك من العوام جملة ، ولقد سمعت بعض طلبة ذلك البلد الذي اختله هذا البأس ـ وهو مالقة (٤) ـ آخذا ينظر
__________________
(١) سورة : الفتح ، الآية : ٢٩.
(٢) سورة : الحشر ، الآية : ٨.
(٣) سورة : الحشر ، الآية : ١٠.
(٤) مالقة : مدينة بالأندلس عامرة من أعمال ريّة سورها على شاطئ البحر بين الجزيرة الخضراء والمرية.