أنهم مما يعدون في الفرق ، وإنما نعد منهم من لا تخرجه بدعته إلى كفر ، فإن قال بتكفيرهم جميعا ، فلا يسلم أنهم المرادون بالحديث على ذلك التقدير ، وليس في حديث الخوارج نص على أنهم من الفرق الداخلة في الحديث ، بل نقول : المراد بالحديث فرق لا تخرجهم بدعهم عن الإسلام ، فليبحث عنهم.
وإما أن لا نتبع المكفر في إطلاق القول بالتكفير ، ونفصل الأمر إلى نحو مما فصله صاحب القول الثالث ، ويخرج من العدد من حكمنا بكفره ، ولا يدخل تحت عمومه إلا ما سوّاه مع غيره ممن لم يذكر في تلك العدة.
والاحتمال الثاني : أن نعدهم من الأمة على طريقة لعلها تتمشى في الموضع ، وذلك أن كل فرقة تدعي الشريعة ، وأنها على صوبها ، وأنها المتبعة للمتبعة لها ، وتتمسك بأدلتها ، وتعمل على ما ظهر لها من طريقها! وهي تناصب العداوة من نسبتها إلى الخروج عنها ، وترمي بالجهل وعدم العلم من ناقضها ، لأنها تدعي أن ما ذهبت إليه هو الصراط المستقيم دون غيره ، وبذلك يخالفون من خرج عن الإسلام ، لأن المرتد إذا نسبته إلى الارتداد أقرّ به ورضيه ولم يسخطه ، ولم يعادك لتلك النسبة ، كسائر اليهود والنصارى ، وأرباب النحل المخالفة للإسلام.
بخلاف هؤلاء الفرق فإنهم مدعون المؤالفة للشارع والرسوخ في اتباع شريعة محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنما وقعت العداوة بينهم وبين أهل السنّة بسبب ادعاء بعضهم على بعض الخروج عن السنّة ، ولذلك تجدهم مبالغين في العمل والعبادة ، حتى بعض أشد الناس عبادة مفتون.
والشاهد لهذا كله ـ مع اعتبار الواقع ـ حديث الخوارج ، فإنه قال عليه الصلاة والسلام : «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم» ، وفي رواية : «يخرج من أمتي قوم يقرءون القرآن ، ليست قراءتكم من قراءتهم بشيء ولا صلاتكم من صلاتهم بشيء» (١) وهذه شدة المثابرة على العمل به ، ومن ذلك
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٧٨ ، الحاشية : ١.