وأما العلامة التفصيلية في كل فرقة فقد نبه عليها وأشير إلى جملة منها في الكتاب والسنّة ، وفي ظني أن من تأملها في كتاب الله وجدها منبها عليها ومشارا إليها ، ولو لا أنا فهمنا من الشرع الستر عليها لكان في الكلام في تعيينها مجال متسع مدلول عليه بالدليل الشرعي ، وقد كنا هممنا بذلك في ماضي الزمان ، فغلبنا عليه ما دلنا على أن الأولى خلاف ذلك.
فأنت ترى أن الحديث الذي تعرضنا لشرحه لم يعين في الرواية الصحيحة واحدة منها ، لهذا المعنى المذكور ـ والله أعلم ـ وإنما نبه عليه في الجملة لتحذر مظانها ، وعين في الحديث المحتاج إليه منها وهي الفرقة الناجية ليتحراها المكلف ، وسكت عن ذلك في الرواية الصحيحة ، لأن ذكرها في الجملة يفيد الأمة الخوف من الوقوع فيها ، وذكر في الرواية الأخرى فرقة من الفرق الهالكة لأنها ـ كما قال ـ أشد الفرق فتنة على الأمة ، وبيان كونها أشد فتنة من غيرها سيأتي آخرا إن شاء الله.
المسألة التاسعة :
إن الرواية الصحيحة في الحديث أن افتراق اليهود كافتراق النصارى على إحدى وسبعين ، وهي رواية أبي داود على الشك! إحدى وسبعين؟ أو اثنتين وسبعين؟ وأثبت في الترمذي في الرواية الغريبة لبني إسرائيل الثنتين والسبعين لأنه لم يذكر في الحديث افتراق النصارى ، وذلك ـ والله أعلم ـ لأجل أنه إنما أجرى في الحديث ذكر بني إسرائيل فقط ، لأنه ذكر فيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، حتى إن كان منهم من أتى أمة علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك ، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي» (١) الحديث. وفي أبي داود ، اليهود والنصارى معا إثبات الثنتين والسبعين من غير شك. وخرّج الطبري وغيره الحديث على أن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين ملة ، وافترقت هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة.
فإن بنينا على إثبات إحدى الروايتين فلا إشكال ، لكن في رواية الأحدى والسبعين
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٤٩ ، الحاشية : ١.