ليزيد بعده ، فخاف عمر إن ولى رجلا صالحا أن لا يكون ليزيد بدّ من القيام ، فتقوم هجمة فيفسد ما لا يصلح ، رأى هذا العمريّ على رأي مالك. فظاهر هذه الرواية أنه إذا خيف عند خلع غير المستحق وإقامة المستحق أن تقع فتنة وما لا يصلح ، فالمصلحة في الترك.
وروى البخاري عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده ، فقال : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة» (١) وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله ، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه.
قال ابن العربي : وقد قال ابن الخياط : إن بيعة عبد الله ليزيد كانت كرها ، وأين يزيد من ابن عمر؟ ولكن رأى بدينه وعلمه التسليم لأمر الله والفرار عن التعرض لفتنة فيها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا يخفى ، فخلع يزيد لو تحقق أن الأمر يعود في نصابه تعرض للفتنة ، فكيف ولا يعلم ذلك؟ وهذا أصل عظيم فتفقهوه والزموه ترشدوا إن شاء الله.
فصل
فهذه أمثلة عشرة توضح لك الوجه العملي في المصالح المرسلة ، وتبين لك اعتبار أمور :
أحدها : الملاءمة لمقاصد الشرع بحيث لا تنافي أصلا من أصوله ولا دليلا من دلائله.
والثاني : أن عامة النظر فيها إنما هو فيما غفل منها وجرى على دون المناسبات المعقولة التي إذا عرضت على العقول تلقتها بالقبول ، فلا مدخل لها في التعبدات ، ولا ما جرى مجراها من الأمور الشريعة ، لأن عامة التعبدات لا يعقل لها معنى على التفصيل ، كالوضوء والصلاة والصيام في زمان مخصوص دون غيره ، والحج ، ونحو ذلك.
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : الفتن ، باب : إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه ، وأخرجه في كتاب : الجهاد ، باب : إثم الغادر للبر والفاجر ، وأخرجه في كتاب : الأدب ، باب : ما يدعي الناس بآبائهم ، وأخرجه في كتاب : الحيل ، باب : إذا غصب الجارية فزعم أنها ماتت فقضى بقيمة الجارية (الأحاديث : ١٣ / ٦٠ ، ٦١). وأخرجه مسلم في كتاب : الجهاد ، باب : تحريم الغدر (الحديث : ١٧٣٥). وأخرجه أحمد في المسند (الأحاديث : ٢ / ٤٨ ، ٩٦).