وعن ابن مسعود : من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها خلالا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلىاللهعليهوسلم وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوهم في آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.
والآثار في هذا المعنى كثيرة جميعا يدل على الاقتداء بهم والاتباع لطريقهم على كل حال ، وهو طريق النجاة حسبما نبه عليه حديث الفرق في قوله : «ما أنا عليه وأصحابي» (١).
فصل
النوع الرابع :
إن الشريعة موضوعة لإخراج المكلف عن داعية هواه ، حتى يكون عبدا لله ، وهذا أصل قد تقرر في قسم المقاصد من كتاب (الموافقات) ، لكن على وجه كلي يليق بالأصول ، فمن أراد الاطلاع عليه فليطالعه من هنالك.
ولما كانت طرق الحق متشعبة لم يمكن أن يؤتي عليها بالاستيفاء ، فلنذكر منها شعبة واحدة تكون كالطريق لمعرفة ما سواها.
فاعلموا أن الله تعالى وضع هذه الشريعة حجة على الخلق كبيرهم وصغيرهم مطيعهم وعاصيهم ، برهم وفاجرهم ، لم يختص بها أحدا دون أحد وكذلك سائر الشرائع إنما وضعت لتكون حجة على جميع الأمم التي تنزل فيهم تلك الشريعة ، حتى إن المرسلين بها صلوات الله عليهم داخلون تحت أحكامها.
فأنت ترى أن نبينا محمدا صلىاللهعليهوسلم مخاطب بها في جميع أحواله وتقلباته ، مما أختص به دون أمته ، أو كان عامّا له ولأمته ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) إلى قوله تعالى : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) ثم قال تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) (٣) وقوله تعالى : (يا
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٤٩ ، الحاشية : ١.
(٢) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥٠.
(٣) سورة : الأحزاب ، الآية : ٥٢.