آمن من أن يطول الزمان فيظن الصغير إذا نشأ أن مسح الجبهة من أثر السجود سنة في الصلاة ، وهذا في مباح ، فكيف به في المكروه أو الممنوع؟
ولقد بلغني في هذا الزمان عن بعض من هو حديث عهد بالإسلام أنه قال في الخمر : ليست بحرام ولا عيب فيها ، وإنما العيب أن يفعل بها ما لا يصلح كالقتل وشبهه. وهذا الاعتقاد لو كان ممن نشأ في الإسلام كان كفرا ، لأنه إنكار لما علم من دين الأمة ضرورة ، وبسبب ذلك ترك الإنكار من الولاة على شاربها ، والتخلية بينهم وبين اقتنائها ، وشهرته بحارة أهل الذمة فيها وأشباه ذلك.
ولا معنى للبدعة إلا أن يكون الفعل في اعتقاد المبتدع مشروعا وليس بمشروع ، وهذا الحال متوقع أو واقع ؛ فقد حكى القرافي عن العجم ما يقتضي أن الستة الأيام من شوال ملحقة عندهم برمضان ، لإبقائهم حالة رمضان الخاصة به كما هي إلى تمام الستة الأيام ، وكذلك وقع عندنا مثله ، وقد مرّ في الباب الأول.
وجميع هذا منوط إثمه بمن يترك الإنكار من العلماء أو غيرهم ، أو من يعمل ببعضها بمرأى من الناس أو في مواقعهم ، فإنهم الأصل في انتشار هذه الاعتقادات في المعاصي أو غيرها.
وإذا تقرر هذا فالبدعة تنشأ عن أربعة أوجه :
أحدها : وهو أظهر الأقسام ـ أن يخترعها المبتدع.
والثاني : أن يعمل بها العالم على وجه المخالفة ، فيفهمها الجاهل مشروعة.
والثالث : أن يعمل بها الجاهل مع سكوت العالم عن الإنكار ، وهو قادر عليه ، فيفهم الجاهل أنها ليست بمخالفة.
والرابع : من باب الذرائع ، وهي أن يكون العمل في أصله معروفا ، إلا أنه يتبدل الاعتقاد فيه مع طول العهد بالذكرى.
إلا أن هذه الأقسام ليست على وزان واحد ، ولا يقع اسم البدعة عليها بالتواطؤ ، بل هي في القرب والبعد على تفاوت.