فأنت ترى كيف أبطل عليه التبدع بما ليس بمشروع ، وأمره بالوفاء بما هو مشروع في الأصل ، فلولا الفرق بينهما معنى لم يكن للتفرقة بينهما معنى مفهوم. وأيضا فإذا كان الداخل مأمورا بالدوام لزم من ذلك أن يكون الدخول طاعة بل لا بدّ ، لأن المباح فضلا عن المكروه والمحرم لا يؤمر بالدوام ، عليه ، ولا نظير لذلك في الشريعة ، وعليه أيد قوله صلىاللهعليهوسلم : «من نذر أن يطيع الله فليطعه» (١) ولأن الله مدح من أوفى بنذره في قوله سبحانه : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (٢) في معرج المدح وترتب الجزاء الحسن وفي آية الحديد : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) (٣) ، ولا يكون الأجر إلا على مطلوب شرعا.
فتأملوا هذا المعنى فهو الذي يجري عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم بمقتضى الأدلة ، وبه يرتفع إشكال التعارض الظاهر لبادي الرأي ، حتى تنتظم الآيات والأحاديث وسير من تقدم ، والحمد لله ، غير أنه يبقى بعدها إشكالان قويان ، وبالنظر في الجواب عنهما ينتظم معنى المسألة على تمامه ، فنعقد في كل إشكال فصلا.
فصل
الإشكال الأول : إن ما تقدم من الأدلة على كراهية الالتزامات التي يشق دوامها معارض بما دلّ على خلافه ، فقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقوم حتى تورمت قدماه ، فيقال له أو ليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول : «أفلا أكون عبدا شكورا؟» (٤) ويظل
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢٤٥ ، الحاشية : ٣.
(٢) سورة : الإنسان ، الآية : ٧.
(٣) سورة : الحديد ، الآية : ٢٧.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب : التهجد ، باب : قيام النبي صلىاللهعليهوسلم الليل ، وفي كتاب : الرقاق ، باب : الصبر عن محارم الله (الحديث : ٣ / ١٢). وأخرجه مسلم في كتاب : صفات المنافقين ، باب : إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة (الحديث : ٢٨١٩). وأخرجه الترمذي في كتاب : الصلاة ، باب : ما جاء في الاجتهاد في الصلاة (الحديث : ٤١٢). وأخرجه النسائي في كتاب : قيام الليل ، ـ