تسمى به العباد ، فقال الله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) (١) (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) (٢) (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) (٣) وما أشبه ذلك من الآيات التي وقع مدحه فيها بصحة العبودية.
وإذا كان كذلك فسائر الخلق حريون بأن تكون الشريعة حجة حاكمة عليهم ومنارا يهتدون بها إلى الحق ، وشرفهم إنما يثبت بحسب ما اتصفوا به من الدخول تحت أحكامها والعمل بها قولا واعتقادا وعملا ، لا بحسب عقولهم فقط ، ولا بحسب شرفهم في قومهم فقط ، لأن الله تعالى إنما أثبت الشرف بالتقوى لا غيرها لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٤) فمن كان أشد محافظة على اتباع الشريعة فهو أولى بالشرف والكرم ، ومن كان دون ذلك لم يمكن أن يبلغ في الشرف مبلغ الأعلى في اتباعها ، فالشرف إذا إنما هو بحسب المبالغة في تحكيم الشريعة.
ثم نقول بعد هذا : إن الله سبحانه شرف أهل العلم ورفع أقدارهم ، وعظم مقدارهم ، ودلّ على ذلك الكتاب والسنّة والإجماع ، بل قد اتفق العقلاء على فضيلة العلم وأهله ، وأنهم المستحقون شرف المنازل ، وهو مما لا ينازع فيه عاقل.
واتفق أهل الشرائع على أن علوم الشريعة أفضل العلوم وأعظمها أجرا عند الله يوم القيامة ، ولا علينا أسامحنا بعض الفرق في تعيين العلوم ـ أعني : العلوم التي نبه الشارع على مزيتها وفضيلتها ـ أم لم نسامحهم ، بعد الاتفاق من الجميع على الأفضلية ، وإثبات الحرية.
وأيضا : فإن علوم الشريعة منها ما يجري مجرى الوسائل بالنسبة إلى السعادة الأخروية ، ومنها ما يجري مجرى المقاصد ، والذي يجري مجرى المقاصد أعلى مما ليس كذلك ـ بلا نزاع بين العقلاء أيضا ـ كعلم العربية بالنسبة إلى علم الفقه ، فإنه كالوسيلة ، فعلم الفقه أعلى.
__________________
(١) سورة : الإسراء ، الآية : ١.
(٢) سورة : الفرقان ، الآية : ١.
(٣) سورة : البقرة ، الآية : ٢٣.
(٤) سورة : الحجرات ، الآية : ١٣.