أن يقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد ، لا في الأسواق والطرق ، فيريد أنه لا يقرأ إلا على النحو الذي كان يقرؤه السلف ، وذلك يدل على أن قراءة الإدارة مكروهة عنده فلا تفعل أصلا وتحرز بقوله : «والقرآن حسن» من توهم أنه يكره قراءة القرآن مطلقا ، فلا يكون في كلام مالك دليل على انفكاك الاجتماع من القراءة ، والله أعلم.
وأما القسم الثالث : وهو أن يصير الوصف عرضة لأن ينضم إلى العبادة حتى يعتقد فيه أنه من أوصافها أو جزء منها ، فهذا القسم ينظر فيه من جهة النهي عن الذرائع ، وهو إن كان في الجملة متفقا عليه ، ففيه في التفصيل نزاع بين العلماء ، إذ ليس كل ما هو ذريعة إلى ممنوع يمنع ، بدليل الخلاف الواقع في بيوع الآجال ، وما كان نحوها ، غير أن أبا بكر الطرطوشي يحكي الاتفاق في هذا النوع استقراء من مسائل وقعت للعلماء منعوها سدّا للذريعة ، وإذا ثبت الخلاف في بعض التفاصيل لم ينكر أن يقول به قائل في بعض ما نحن فيه ، ولنمثله أولا ثم نتكلم حكمه بحول الله.
فمن ذلك ما جاء في الحديث من نهي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يتقدم شهر رمضان بصيام يوم أو يومين ، ووجه ذلك عند العلماء مخافة أن يعد ذلك من جملة رمضان.
ومنه ما ثبت عن عثمان رضي الله عنه أنه كان لا يقصر في السفر ، فيقال له : ألست قصرت مع النبي صلىاللهعليهوسلم؟ فيقول : بلى! ولكني أمام الناس فينظر إلى الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين ، فيقول : هكذا فرضت ، فالقصر في السفر سنّة أو واجب ، ومع ذلك تركه خوف أو يتذرع به لأمر حادث في الدين غير مشروع.
ومنه قصة عمر رضي الله عنه في غسله من الاحتلام حتى أسفر ، وقوله لمن راجعه في ذلك ، وأن يأخذ من أثوابهم ما يصلي به ، ثم يغسل ثوبه على السعة ، لو فعلته لكانت سنّة ، بل اغسل ما رأيت ، وأنضح ما لم أر.
وقال حذيفة بن أسيد : شهدت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وكانا لا يضحيان مخافة أن يرى أنها واجبة.
ونحو ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إني لأترك أضحيتي ـ وإني لمن أيسركم ـ مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة.