فنقرأ كتاب الله وندعوا لأنفسنا ولعامة المسلمين؟ قال : فنهى الحسن عن ذلك أشد النهي.
والنقل في هذا المعنى كثير ، فلو لم يبلغ العمل الزائد ذلك المبلغ كان أخف. وانفرد العمل بحكمة ، والعمل المشروع بحكمه ، كما حكى ابن وضاح عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال : كنت جالسا عند الأسود بن سريع ، وكان مجلسه في مؤخر المسجد الجامع ، فافتتح سورة بني إسرائيل حتى بلغ : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١) فرفع أصواتهم الذين كانوا حوله جلوسا ، فجاء مجالد بن مسعود متوكئا على عصاه ، فلما رآه القوم قالوا : مرحبا اجلس ، قال : ما كنت لأجلس إليكم ، وإن كان مجلسكم حسنا ، ولكنكم صنعتم قبلي شيئا أنكره المسلمون ، فإياكم وما أنكر المسلمون ، فتحسينه المجلس كان لقراءة القرآن ، وأما رفع الصوت فكان خارجا عن ذلك ، فلم ينضم إلى العمل الحسن ، حتى إذا انضم إليه صار المجموع غير مشروع.
ويشبه هذا ما في سماع ابن القاسم عن مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرءون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك ، وأنكر أن يكون من عمل الناس.
وسئل ابن القاسم أيضا عن نحو ذلك فحكى الكراهية عن مالك ، ونهى عنها ورآها بدعة.
وقال في رواية أخرى عن مالك : وسئل عن القراءة بالمسجد ، فقال : لم يكن بالأمر القديم ، وإنما هو شيء أحدث ، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها ، والقرآن حسن.
قال ابن رشد : يزيد التزام القراءة في المسجد بإثر صلاة من الصلوات على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كله سنّة ، مثل ما بجامع قرطبة إثر صلاة الصبح. قال : فرأى ذلك بدعة.
فقول في الرواية : «والقرآن حسن» يحتمل أن يقال : إنه يعني أن تلك الزيادة من الاجتماع وجعله في المسجد منفصل لا يقدح في حسن قراءة القرآن ، ويحتمل ـ وهو الظاهر ـ أنه يقول : قراءة حسن على غير ذلك الوجه بدليل قوله في موضع آخر : ما يعجبني
__________________
(١) سورة : الإسراء ، الآية : ١١١.