والسابع : رأي نابتة أيضا يرون أن عمل الجمهور اليوم ـ من التزام الدعاء بهيئة الاجتماع بإثر الصلوات ، والتزام المؤذنين التثويب بعد الأذان ـ صحيح بإطلاق ، من غير اعتبار بمخالفة الشريعة أو موافقتها ، وأن من خالفهم بدليل شرعي اجتهادي أو تقليدي خارج عن سنة المسلمين ، بناء منهم على أمور تخبطوا فيها من غير دليل معتبر ، فمنهم من يميل إلى أن هذا العمل المعمول به في الجمهور ثابت عن فضلاء وصالحين علماء ، فلو كان خطأ لم يعملوا به.
وهذا مما نحن فيه اليوم ، تتم الأدلة وأقوال العلماء المتقدمين ، ويحسن الظن بمن تأخر ، وربما نوزع بأقوال من تقدم ، فيرميها الرامي بالظنون واحتمال الخطإ ، ولا يرمي بذلك المتأخرين ، الذين هم أولى به بإجماع المسلمين. وإذا سئل عن أصل هذا العمل المتأخر :
هي عليه دليل من الشريعة؟ لم يأت بشيء ، أو يأتي بأدلة محتملة لا علم له بتفصيلها ، كقوله هذا خير أو حسن ، وقد قال تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (١) أو يقول : هذا برّ ، وقال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٢) فإذا سئل عن أصل كونه خيرا أو برّا وقف ، وميله إلى أنه ظهر له بعقله أنه خير وبر ، فجعل التحسين عقليّا ، وهو مذهب أهل الزيغ ، وثابت عند أهل السنة أنه من البدع المحدثات.
ومنهم من طالع كلام القرافي وابن عبد السلام في أن البدع خمسة أقسام ، فنقول : هذا من المحدث المستحسن. وربما رشح ذلك بما جاء في الحديث : «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» (٣) وقد مر ما فيه. وأما الحديث فإنما معناه عند العلماء أن علماء الإسلام إذا نظروا في مسألة مجتهد فيها فما رأوه فيها حسنا فهو عند الله حسن ، لأنه جار على أصول الشريعة ، والدليل على ذلك الاتفاق ، على أن العوام لو نظروا فأداهم اجتهادهم إلى استحسان حكم شرعي لم يكن عند الله حسنا حتى يوافق الشريعة. والذين نتكلم معهم في هذه المسألة ليسوا من المجتهدين باتفاق منّا ومنهم ، فلا
__________________
(١) سورة : الزمر ، الآية : ١٨.
(٢) سورة : المائدة ، الآية : ٢.
(٣) أخرج نحوه أحمد في المسند (١ / ٣٧٩) ولفظه : «فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأوا سيّئا فهو عند الله سيئ».