(الجزء الثّاني)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
٦ ـ باب : في أحكام البدع وأنها ليست على رتبة واحدة
اعلم أنا إذا بنينا على أن البدع منقسمة إلى الأحكام الخمسة فلا إشكال في اختلاف رتبتها ، لأن النهي من جهة انقسامه إلى نهي الكراهية ونهي التحريم يستلزم أن أحدهما أشد في النهي من الآخر ، فإذا انضم إليهما قسم الإباحة ظهر الاختلاف في الأقسام ، فإذا اجتمع إليها قسم الندب وقسم الوجوب كان الاختلاف فيها أوضح ـ وقد مرّ من أمثلتها أشياء كثيرة ـ لكنا لا نبسط القول في هذا التقسيم ولا بيان رتبه بالأشد والأضعف ، لأنه إما أن يكون حقيقيا فالكلام فيه عناء ، وإن كان غير حقيقي فقد تقدم أنه غير صحيح ، فلا فائدة في التفريع على ما لا يصح ، وإن عرض في ذلك نظر أو تفريع فإنما يذكر بحكم التبع بحول الله.
فإذا خرج عن هذا التقسيم ثلاثة أقسام : قسم الوجوب ، وقسم الندب ، وقسم الإباحة ، انحصر النظر فيما بقي وهو الذي ثبت من التقسيم ، غير أنه ورد النهي عنها على وجه واحد ، ونسبته إلى الضلالة واحدة ، في قوله : «إياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار» (١) وهذا عام في كل بدعة ، فيقع السؤال : هل لها حكم واحد أم لا؟ فنقول : ثبت في الأصول أن الأحكام الشرعية خمسة ، تخرج عنها الثلاثة ، فيبقى حكم الكراهية وحكم التحريم ، فاقتضى النظر انقسام البدع إلى القسمين ، فمنها بدعة محرمة ، ومنها بدعة مكروهة ، وذلك أنها داخلة تحت جنس المنهيات وهي لا تعدو الكراهة والتحريم ، فالبدع كذلك. هذا وجه.
__________________
(١) أخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : لزوم السنة (الحديث : ٤٦٠٧). وأخرجه الترمذي في كتاب : العلم ، باب : ١٦ (الحديث : ٢٦٧٦). وأخرجه أحمد في المسند (٤ / ١٢٦ ، ١٢٧). وأخرجه ابن ماجه في المقدمة ، باب : اتباع سنة الخلفاء الراشدين (الحديث : ٤٢).