في رهبانيتها متيسر لنا ، لما ثبت من نسخه ، فعلى هذه الأحرف جرى كلام الإمام أبي حامد وغيره ممن نقل هو عنهم واحتج بهم ، ويدل على ذلك أن جماعة ممن نقل عنهم الترغيب في العزلة كانوا متزوجين ولم يكن ذلك مانعا من البقاء على ما هم عليه ، بناء منهم على التحري في الموازنة بين ما يلحقهم بسبب التزوج ؛ فلا إشكال إذا على هذا التقرير في كلام الغزالي ولا غيره ممن سلك مسلكه ، لأنهم بنوا على أصل قطعي في الشرع ، محكم لا ينسخه شيء وليس من مسألتنا بسبيل ، ولكن ثم تحقيق زائد لا يسع إيراده هاهنا ، وأصله مأخوذ من كتاب «الموافقات» من تمرن فيه حقق هذا المعنى على التمام ، وبالله تعالى التوفيق.
والحاصل : أن مضمون هذا الفصل يقتضي أن العمل على الرهبانية المنفية في الآية بدعة من البدع الحقيقية لا الإضافية ، لرد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لها أصلا وفرعا.
فصل
ثبت بمضمون هذه الفصول المتقدمة آنفا أن الحرج منفي عن الدين جملة وتفصيلا ـ وإن كان قد ثبت أيضا في الأصول الفقهية على وجه من البرهان أبلغ ـ فلنبن عليه فنقول :
قد فهم قوم من السلف الصالح وأهل الانقطاع إلى الله ممن ثبتت ولايتهم أنهم كانوا يشددون على أنفسهم ، ويلزمون غيرهم الشدة أيضا والتزام لحرج ديدنا في سلوك طريق الآخرة ، وعدوا من لم يدخل تحت هذا الالتزام مقصرا مطرودا ومحروما ، وربما فهموا ذلك من بعض الإطلاقات الشرعية ، فرشحوا بذلك ما التزموه ، فأفضى الأمر بهم إلى الخروج عن السنة إلى البدعة الحقيقية أو الإضافية.
فمن ذلك أن يكون للمكلف طريقان في سلوكه للآخرة ، أحدهما سهل والآخر صعب ، وكلاهما في التوصل إلى المطلوب على حد واحد ؛ فيأخذ بعض المتشددين بالطريق الأصعب الذي يشق على المكلف مثله ، ويترك الطريق الأسهل بناء على التشديد على النفس ، كالذي يجد للطهارة ماءين : سخنا وباردا فيتحرى البارد الشاق استعماله ، ويترك الآخر ؛ فهذا لم يعط النفس حقها الذي طلبه الشارع منه ، وخالف دليل رفع الحرج من غير معنى زائد ، فالشارع لم يرض بشرعية مثله ، وقد قال الله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ