العباد ، ومن أجلّ الباري وعظمه لم يجترئ على إطلاق هذه العبارة ، ولا ألّم بمعناها في حقه ، لأن ذلك المعتاد إنما حسن في المخلوق من حيث هو عبد مقصور محصور ممنوع ، والله تعالى ما يمنعه شيء ، ولا يعارض أحكامه حكم ، فالواجب الوقوف مع قوله : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١) وقوله تعالى : (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٢) وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (٣) (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) (٤) (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (٥).
فالحاصل من هذه القضية أنه لا ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع ، فإنه من التقدم بين يدي الله ورسوله ، بل يكون ملبيا من وراء وراء.
ثم نقول : إن هذا هو المذهب للصحابة رضي الله عنهم وعليه دأبوا ، وإياه اتخذوا طريقا إلى الجنة فوصلوا ، ودلّ على ذلك من سيرهم أشياء :
منها : أنه لم ينكر أحد منهم ما جاء من ذلك ، بل أقروا وأذعنوا لكلام الله وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يصادموه ولا عارضوه بإشكال ، ولو كان شيء من ذلك لنقل إلينا كما نقل إلينا سائر سيرهم وما جرى بينهم من القضايا والمناظرات في الأحكام الشرعية ، فلما لم ينقل إلينا شيء من ذلك ، دلّ على أنهم آمنوا به وأقروه ، كما جاء من غير بحث ولا نظر.
كان مالك بن أنس يقول : الكلام في الدين أكرهه ، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه ، نحو الكلام في رأي جهم والقدر ، وكل ما أشبه ذلك ، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل ، فأما الكلام في الدين وفي الله عزوجل فالسكوت أحب إليّ ، لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل.
__________________
(١) سورة : الأنعام ، الآية : ١٤٩.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ٤٠.
(٣) سورة : المائدة ، الآية : ١.
(٤) سورة : الرعد ، الآية : ٤١.
(٥) سورة : البروج ، الآيتان : ١٥ ـ ١٦.