على نقل المؤرخين ومن لا يعتبر من المؤلفين ، وأحرى ألّا ينبني عليه حكم.
وأما مسألة المناخل : فقد مرّ ما فيها ، والمعتاد فيها أنه لا يلحقها أحد بالدين ولا بتدبير الدنيا بحيث لا ينفك عنه كالتشريع فلا نطول به ، وعلى ذلك الترتيب ينظر فيما قاله ابن عبد السلام من غير فرق ، فتبين مجال البدعة في العاديات من مجال غيرها ، وقد تقدم أيضا فيها كلام فراجعه إن احتجت إليه.
وأما وجه النظر : في أمثلة الوجه الثالث من أوجه دخول الابتداع في العاديات على ما أريد تحقيقه.
فنقول : إن مدارك تلك الأحاديث على بضع عشرة خصلة ، يمكن ردها إلى أصول هي كلها أو غالبها بدع ، وهي قلة العلم وظهور الجهل ، والشح وقبض الأمانة ، وتحليل الدماء والزنا والحرير والغناء والربا والخمر ، وكون المغنم دولا ، والزكاة مغرما ، وارتفاع الأصوات في المساجد ، وتقديم الأحداث ولعن آخر الأمة أولها ، وخروج الدجالين ، ومفارقة الجماعة.
أما قلة العلم وظهور الجهل : فبسبب التفرغ للدنيا ، وهذا إخبار بمقدمة أنتجتها الفتيا بغير علم ـ حسبما جاء في الحديث الصحيح : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس» (١) إلى آخره ـ وذلك أن الناس لا بدّ لهم من قائد يقودهم في الدين بجرائمهم ، وإلّا وقع الهرج وفسد النظام ، فيضطرون إلى الخروج إلى من انتصب لهم منصب الهداية ، وهو الذي يسمونه عالما ، فلا بد أن يحملهم على رأيه في الدين ، لأن الفرض أنه جاهل ، فيضلهم عن الصراط المستقيم ، كما أنه ضال عنه ، وهذا عين الابتداع ، لأنه التشريع بغير أصل من كتاب ولا سنّة ، ودلّ هذا الحديث على أنه أنه لا يؤتى الناس قط من قبل العلماء ، وإنما يؤتون من قبل أنه إذا مات علماؤهم أفتى من ليس بعالم فتؤتى
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٧٠ ، الحاشية : ١.