على غير علم كالسائر على غير طريق ، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح ، فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بترك العبادة ، واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بترك العلم ، فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا ـ يعني : الخوارج ـ والله أعلم ، لأنهم قرءوا القرآن ولم يتفقهوا فيه حسبما أشار إليه الحديث : «يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم» (١).
وروي عن مكحول أنه قال : تفقّه الرعاع فساد الدين والدنيا ، وتفقّه السفلة فساد الدين.
وقال الفريابي : كان سفيان الثوري إذا رأى هؤلاء النبط يكتبون العلم تغيّر وجهه ، فقلت : يا أبا عبد الله! أراك إذا رأيت هؤلاء يكتبون العلم يشتد عليك ، قال : كان العلم في العرب وفي سادات الناس ، وإذا خرج عنهم وصار إلى هؤلاء النبط والسفلة غيّر الدين.
وهذه الآثار أيضا إذا حملت على التأويل المتقدم استدت واستقامت ، لأن ظواهرها مشكلة ، ولعلك إذا استقريت أهل البدع المتكلمين ، أو أكثرهم وجدتهم من أبناء سبايا الأمم ، ومن ليس له أصالة في اللسان العربي ، فعما قريب يفهم كتاب الله على غير وجهه ، كما أن من لم يتفقه في مقاصد الشريعة فهمها على غير وجهها.
والثاني : من أسباب الخلاف اتباع الهوى :
ولذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها ، والتعويل عليها ، حتى يصدروا عنها ، بل قدموا أهواءهم ، واعتمدوا على آرائهم ، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورا فيها من وراء ذلك ، وأكثر هؤلاء هم أهل التحسين والتقبيح ، ومن مال إلى الفلاسفة وغيرهم ، ويدخل في غمارهم من كان منهم يخشى السلاطين لنيل ما عندهم ، أو طلبا للرئاسة ، فلا بد أن يميل مع الناس بهواهم ، ويتأول عليهم فيما أرادوا ، حسبما ذكره العلماء ونقله من مصاحبي السلاطين.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٦٥ ، الحاشية : ٢.