ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله ، فاحذروهم» (١).
والخاصية الثالثة : اتباع الهوى ، الذي نبه عليه قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) (٢) والزيغ هو الميل عن الحق اتباعا للهوى ، وكذلك قوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) (٣) وقوله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) (٤).
وليس في حديث الفرق مما يدل على هذه الخاصية ولا على التي قبلها ، إلا أن هذه الخاصية راجعة في المعرفة بها إلى كل أحد في خاصة نفسه ، لأن اتباع الهوى أمر باطني فلا يعرفه غير صاحبه إذا لم يغالط نفسه ، إلا أن يكون عليها دليل خارجي.
وقد مرّ أن أصل حدوث الفرق إنما هو الجهل بمواقع السنّة ، وهو الذي نبه عليه الحديث بقوله : «اتخذ الناس رؤساء جهالا» (٥) ، فكل أحد عالم بنفسه هل بلغ في العلم مبلغ المفتين أم لا؟ وعالم إذا راجع النظر فيما سئل عنه : هل هو قائل بعلم واضح من غير إشكال أم بغير علم؟ أم هو على شك فيه؟ والعالم إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره ويعلم هو من نفسه ما شهد له به ، وإلّا فهو على يقين من عدم العلم أو على شك ، فاختيار الإقدام في هاتين الحالتين على الإحجام لا يكون إلا باتباع الهوى ، إذ كان ينبغي له أن يستفتي في نفسه غيره ولم يفعل ، وكل من حقه أن لا يقدم إلا أن يقدمه غيره ، ولم يفعل هذا.
قال العقلاء : إن رأي المستشار أنفع لأنه بريء من الهوى ، بخلاف من لم يستشر
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٨٠ ، الحاشية : ٢.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.
(٣) سورة : القصص ، الآية : ٥٠.
(٤) سورة : الجاثية ، الآية : ٢٣.
(٥) تقدم تخريجه ص : ٣٧٠ ، الحاشية : ١.