أحدهما : أن يرد نص على وفق ذلك المعنى ، كتعليل منع القتل للميراث ، فالمعالمة بنقيض المقصود تقدير إن لم يرد نص على وفقه ، فإن هذه العلة لا عهد بها في تصرفات الشرع بالفرض ولا بملائمها بحيث يوجد لها جنس معتبر ، فلا يصح التعليل بها ، ولا بناء الحكم عليها باتفاق ، ومثل هذا تشريع من القائل به فلا يمكن قبوله.
والثاني : أن يلائم تصرفات الشرع ، وهو أن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في الجملة بغير دليل معين ، وهو الاستدلال المرسل ، المسمى بالمصالح المرسلة ولا بد من بسطه بالأمثلة حتى يتبين وجهه بحول الله.
ولنقتصر على عشرة أمثلة :
المثال الأول :
إن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم اتفقوا على جمع المصحف ، وليس ثمّ نص على جمعه وكتبه أيضا ، بل قد قال بعضهم : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : «أرسل إليّ أبو بكر رضي الله عنه [بعد] مقتل أهل اليمامة ، وإذا عنده عمر رضي الله عنه ، قال أبو بكر : (إن عمر أتاني فقال) : إن القتل قد استحرّ بقراء القرآن (١) يوم اليمامة ، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجميع القرآن ، قال : فقلت له : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال لي : هو ـ والله ـ خير.
فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري له ، ورأيت فيه الذي رأى عمر.
قال زيد : فقال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لانتهمك ، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه ، قال زيد : فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ من ذلك ، فقلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال أبو بكر : هو والله خير ، فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكر حتى شرح الله صدري للذي شرج له صدريهما
__________________
(١) استحرّ : اشتد وكثر. القراء : الحفاظ للقرآن الكريم.