٣ ـ باب : في أن ذم البدع والمحدثات عامّ
لا يخص محدثة دون غيرها ويدخل تحت هذه الترجمة
جملة من شبه المبتدعة التي احتجوا بها
فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أن ما تقدم من الأدلة حجة في عموم الذم من أوجه :
أحدها : أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء البتة ، ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو هدى ، ولا جاء فيها : كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ، ولا شيء من هذه المعاني ، فلو كان هنالك محدثة يقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان أو أنها لاحقة بالمشروعات ، لذكر ذلك في آية أو حديث ، لكنه لا يوجد ، فدلّ على أن تلك الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية التي لا يتخلف عن مقتضاها فرد من الأفراد.
والثاني : أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معان أصولية أو فروعية ، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص ، مع تكررها ، وإعادة تقررها ، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم كقوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (١) ، وما أشبه ذلك. وبسط الاستدلال على ذلك هنالك ، فما نحن بصدده من هذا القبيل ، إذ جاء في الأحاديث المتعددة والمتكررة في أوقات شتى وبحسب الأحوال المختلفة : أن كل بدعة ضلالة ، وأن كل محدثة بدعة. وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أن البدع مذمومة ، ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها ، فدل ذلك دلالة واضحة على أنها على عمومها وإطلاقها.
والثالث : إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها كذلك ،
__________________
(١) سورة : النجم ، الآيتان : ٣٨ ـ ٣٩.