فوجه الدليل من الحديث أن قوله : فليذادن رجال عن حوضي» إلى قوله : «أناديهم ألا هلم» مشعر بأنهم من أمته ، وأنه عرفهم ، وقد بين أنهم يعرفون بالغرر (١) والتحجيل (٢) ، فدل على أن هؤلاء الذين دعاهم وقد كانوا بدلوا ذوو غرر وتحجيل ، وذلك من خاصية هذه الأمة ، فبان أنهم معدودون من الأمة ولو حكم لهم بالخروج من الأمة لم يعرفهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بغرة أو تحجيل لعدمه عندهم.
ولا علينا أقلنا : إنّهم خرجوا ببدعتهم عن الأمة أو لا ، إذ أثبتنا لهم وصف الانحياش إليها.
وفي الحديث الآخر : «فيؤخذ بقوم منكم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي! قال : فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) إلى قوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣) ـ قال ـ : فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» (٤).
فإن كان المراد بالصحابة الأمة ، فالحديث موافق لما قبله : «بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد» فلا بد من تأويله على أن الأصحاب يعني بهم من آمن به في حياته وإن لم يره ، ويصدق لفظ المرتدين على أعقابهم على المرتدين بعد موته ، أو مانعي الزكاة تأويلا على أن أخذها إنما كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وحده ، فإن عامة أصحابه رأوه وأخذوا عنه براءة من ذلك.
المسألة السابعة في تعيين هذه الفرق :
وهي مسألة ـ كما قال الطرطوشي ـ طاشت فيها أحلام الخلق ، فكثير ممن تقدم وتأخر من العلماء عينوها لكن في الطوائف التي خالفت في مسائل العقائد فمنهم من عد أصولها ثمانية ، فقال : كبار الفرق الإسلامية ثمانية :
__________________
(١) الغرر : جمع غرّة : وهي أول كل شيء وأكرمه ، ومن الفرس : بياض في جبهته.
(٢) التحجيل : بياض في قوائم الفرس أو بعضها.
(٣) سورة : المائدة ، الآيتان : ١١٧ ـ ١١٨.
(٤) أخرج نحوه مسلم في كتاب : الفضائل ، باب : إثبات حوض نبينا صلىاللهعليهوسلم.