نقول : إن الصراط ثابت ، والجواز عليه قد أخبر الشارع به ، فنحن نصدق به لأن إن كان كحد السيف وشبهه لا يمكن استقرار الإنسان فوقه عادة فكيف يمشي عليه؟ فالعادة قد تخرق حتى يمكن المشي والاستقرار ، والذين ينكرونه يقفون مع العوائد وينكرون أصل الصراط ولا يلتفتون إلى إمكان انخراق العوائد ، فإن فرقوا صار ذلك تحكما ، لأنه ترجيح في أحد المثلين دون الآخر من غير مرجح عقلي ، وقد صادفهم النقل ، فالحق الإقرار دون الإنكار.
ولنرشح هذا المطلب بأمثلة عشرة :
أحدها : مسألة الصراط وقد تقدمت.
والثاني : مسألة الميزان ، إذ يمكن إثباته ميزانا صحيحا على ما يليق بالدار الآخرة ، وتوزن فيه الأعمال على وجه غير عادي ، نعم يقرّ العقل بأن أنفس الأعراض ـ وهي الأعمال ـ لا توزن وزن الموزونات عندنا في العادات ـ وهي الأجسام ، ولم يأت في النقل ما يعيّن أنه كميزاننا من كل وجه ، أو أنه عبارة عن الثقل أو أنفس الأعمال توزن بعينها ، فالأخلق الحمل إما على التسليم ، وهذا طريقة الصحابة رضي الله عنهم ، إذ لم يثبت عنهم إلا مجرد التصديق من غير بحث عن نفس الميزان أو كيفية الوزن ، كما أنه لم يثبت عنهم في الصراط إلا ما ثبت عنهم في الميزان ، فعليك به فهو مذهب الصحابة رضي الله عنهم.
فإن قيل : فالتأويل إذا خارج عن طريقتهم ، فأصحاب التأويل على هذا من الفرق الخارج.
قيل : لا لأن الأصل في ذلك التصديق بما جاء التسليم محضا أو مع التأويل نظر (؟) لا يبعد ، إذ قد يحتاج إليه في بعض المواضع ، بخلاف من جعل أصله في تلك الأمور التكذيب بها ، فإنه مخالف لهم ، للسلك في الأحاديث مسلك التأويل أو عدمه لا أثر له لأنه تابع على كلتا الطريقتين لكن التسليم أسلم.
والثالث : مسألة عذاب القبر ، وهي أسهل ، ولا بعد ولا نكير في كون الميت يعذب برد الروح إليه عارية ، ثم تعذيبه على وجه لا يقدر البشر على رؤيته لذلك ولا سماعه ، فنحن نرى الميت يعالج سكرات الموت ويخبر بآلام لا مزيد عليها ، ولا نرى عليه من ذلك أثرا ، وكذلك أهل الأمراض المؤلمة ، وأشباه ذلك مما نحن فيه مثلها ، فلما ذا يجعل استبعاد العقل صادّا في وجه التصديق بأقوال الرسول صلىاللهعليهوسلم؟