وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) (١) فالمراد بالناس هنا الذين اتخذوا من دون الله إلها ، دون الأطفال والمجانين والمؤمنين.
وقال تعالى : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) (٢) فظاهر السؤال عن القرية نفسها ، وسياق قوله تعالى : (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) (٣) إلى آخر الآية يدل على أن المراد أهلها لأن القرية لا تعدو ولا تفسق.
وكذلك قوله تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) (٤) الآية ، فإنه لما قال :
«كانت ظالمة» دلّ على أن المراد أهلها.
وقال تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) (٥) الآية ، فالمعنى بيّن أن المراد أهل القرية ، ولا يختلف أهل العلم باللسان في ذلك ، لأن القرية والعير لا يخبران بصدقهم.
هذا كله معنى تقرير الشافعي رحمهالله في هذه التصرفات الثابتة للعرب وهو بالجملة مبين أن القرآن لا يفهم إلا عليه ، وإنما أتى الشافعي بالنوع الأغمض من طرائق العرب ، لأن سائر أنواع التصرفات العربية قد بسطها أهلها ، وهم أهل النحو والتصريف ، وأهل المعاني والبيان ، وأهل الاشتقاق وشرح مفردات اللغة ، وأهل الأخبار المنقولة عن العرب لمقتضيات الأحوال ، فجميعه نزل به القرآن ، ولذلك أطلق عليه عبارة «العربي».
فإذا ثبت هذا فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولا وفروعا أمران :
أحدهما : أن لا يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربيا ، أو كالعربي في كونه عارفا بلسان العرب ، بالغا فيه مبالغ العرب ، أو مبالغ الأئمة المتقدمين كالخليل وسيبويه والكسائي والفراء ومن أشبههم وداناهم ، وليس المراد أن يكون حافظا كحفظهم وجامعا
__________________
(١) سورة : الحج ، الآية : ٧٣.
(٢) سورة : الأعراف ، الآية : ١٦٣.
(٣) سورة : الأعراف ، الآية : ١٦٣.
(٤) سورة : الأنبياء ، الآية : ١١.
(٥) سورة : يوسف ، الآية : ٨٢.