بدعة فإما متجوز ، وإما غير عارف بوضع لفظ البدعة ، فلا يصح الاستدلال بهذه الأشياء على صحة العمل بالبدع.
وإن تعلق بما ورد من الخلاف في المصالح المرسلة ، وأن البناء عليها غير صحيح عند جماعة من الأصوليين ، فالحجة عليهم إجماع الصحابة على المصحف والرجوع إليه ، وإذا ثبت اعتبارها في صورة ثبت اعتبارها مطلقا ، ولا يبقى بين المختلفين نزاع إلّا في الفروع.
وفي الصحيح قوله صلىاللهعليهوسلم : «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور» (١) فأعطى الحديث ـ كما ترى ـ أن ما سنه الخلفاء الراشدون لاحق بسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأن ما سنوه لا يعدو أحد أمرين : إما أن يكون مقصودا بدليل شرعي ، فلذلك سنة لا بدعة ، وإما بغير دليل ـ ومعاذ الله من ذلك ـ ولكن هذا الحديث دليل على إثباته سنة ، إذ قد أثبته كذلك صاحب الشريعة صلىاللهعليهوسلم ، ودليله من الشرع ثابت فليس ببدعة ، ولذلك أردف اتباعهم بالنهي عن البدع بإطلاق ، ولو كان عملهم ذلك بدعة لوقع في الحديث التدافع.
وبذلك يجاب عن مسألة قتل الجماعة بالواحد لأنه منقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو أحد الخلفاء الراشدين ، وتضمين الصناع وهو منقول عن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم.
وأما ما يروى عن عمرو بن عبد العزيز فلم أره ثابتا من طريق صحيح ، وإن سلم فراجع إما لأصل المصالح المرسلة ـ إن لم نقل : إن أصله قصة البقرة ، وإن ثبت أن المصالح المرسلة مقول بها عند السلف ، مع أن القائلين بها يذمون البدع وأهلها ويتبرءون منهم ـ دل على أن البدع مباينة لها وليست منها في شيء ولهذه المسألة باب تذكر فيه.
فصل
ومما يورد في هذا الموضع أن العلماء قسموا البدع بأقسام أحكام الشريعة الخمسة ولم
__________________
(١) تقدم تخرجه ص : ٣٣ ، الحاشية : ٢.