فمن القسم الأول : الخوارج بشهادة الصادق المصدوق رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث قال :
«يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» (١) ، ومنه هؤلاء الذين أعرقوا في البدعة حتى اعترضوا على كتاب الله وسنّة نبيه ، وهم بالتفكير أحق من غيرهم ممن لم يبلغ مبلغهم.
ومن القسم الثاني : أهل التحسين والتقبيح على الجملة ، إذا لم يؤدهم عقلهم إلى ما تقدم.
ومنه ما ذهب إليه الظاهرية : على رأي من عدها من البدع ـ وما أشبه ذلك. وذلك أنه يقول : من خرج عن الفرق ببدعته وإن كانت جزئية فلا يخلو صاحبها من تجاريها في قلبه وإشرابها له ، لكن على قدرها ، وبذلك أيضا تدخل تحت ما تقدم من الأدلة على أن لا توبة له ، لكن التجاري المشبه بالكلب لا يبلغه كل صاحب بدعة ، إلا أنه يبقى وجه التفرقة بين من أشرب قلبه بدعة من البدع ذلك الإشراب ، وبين من لم يبلغ ممن هو معدود في الفرق ، فإن الجميع متصفون بوصف الفرقة التي هي نتيجة العداوة والبغضاء.
وسبب التفريق بينهما : والله أعلم ـ أمران : إما أن يقال : إن الذي أشربها من شأنه أن يدعو إلى بدعته فيظهر بسببها المعاداة ، والذي لم يشربها لا يدعو إليها ولا ينتصب للدعاء إليها ووجه ذلك أن الأول لم يدع إليها إلا وهي قد بلغت من قلبه مبلغا عظيما بحيث يطرح ما سواها في جنبها ، حتى صار ذا بصيرة فيها لا ينثني عنها ، وقد أعمت بصره وأصمت سمعه واستولت على كلّيته ، وهي غاية المحبة ، ومن أحب شيئا من هذا النوع من المحبة والى بسببه وعادى ، ولم يبال بما لقي في طريقه ، بخلاف من لم يبلغ ذلك المبلغ ، فإنما هي عنده بمنزلة مسألة علمية حصلها ، ونكتة اهتدى إليها ، فهي مدخرة في خزانة حفظه يحكم بها على من وافق وخالف ، لكن بحيث يقدر على إمساك نفسه عن الإظهار مخافة النكال ، والقيام عليه بأنواع الإضرار ، ومعلوم أن كل من داهن على نفسه في شيء وهو قادر على إظهاره لم يبلغ منه ذلك الشيء مبلغ الاستيلاء ، فكذلك البدعة إذا استخفى بها صاحبها.
وإما أن يقال : إن من أشربها ناصب عليها بالدعوة المقترنة بالخروج عن الجماعة والسواد الأعظم ، وهي الخاصية التي ظهرت في الخوارج وسائر من كان على رأيهم.
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٥٢٥ ، الحاشية : ١.