أصله كذلك ، فلما كان الدليل على ذلك القيام على الخصوص واضحا قال : نعمت البدعة هذه ، فحسنها بصيغة «نعم» التي تقتضي من المدح ما تقتضيه صيغة التعجب ، لو قال : ما أحسنها من بدعة! وذلك يخرجها قطعا عن كونها بدعة.
وعلى هذا المعنى جرى كلام أبي أمامة رضي الله عنه مستشهدا بالآية حيث قال : أحدثتم قيام رمضان ولم يكتب عليكم ، إنما معناه ما ذكرناه ، ولأجله قال : فدوموا عليه. ولو كان بدعة على الحقيقة لنهى عنه ، ومن هذه الجهة أجرينا الكلام على ما نهى صلىاللهعليهوسلم عنه من التعبد المخوف الحرج في المآل ، واستسهلنا وضع ذلك في قسم البدع الإضافية ، تنبيها على وجهها ووضعها في الشرع مواضعها ، حتى لا يغتر بها مغتر فيأخذها على غير وجهها ، ويحتج بها على العمل بالبدعة الحقيقية قياسا عليها ولا يدري ما عليه في ذلك ، وإنما تجشمنا إطلاق اللفظ هنا ، وكان ينبغي أن لا يفعل لو لا الضرورة ، وبالله التوفيق.
فصل
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (١) روي في سبب نزول هذه الآية أخبار جملتها تدور على معنى واحد ، وهو تحريم ما أحل الله من الطيبات تدينا أو شبه التدين والله نهى عن ذلك وجعله اعتداء ، والله لا يحب المعتدين ثم قرر الإباحة تقريرا زائدة على ما تقرر بقوله : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) ثم أمرهم بالتقوى ، وذلك مشعر بأن تحريم ما أحل الله خارج عن درجة التقوى.
فخرّج إسماعيل القاضي من حديث أبي قلابة رضي الله عنه قال : أراد ناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يرفضوا الدنيا وتركوا النساء وترهبوا ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فغلّظ فيهم المقالة ، فقال : «إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجوا
__________________
(١) سورة : المائدة ، الآيتان : ٨٧ ـ ٨٨.