ذكره ، إذ لا يخلو من أحد الأمرين : إما أن لا يعتبر بجهة الابتداع في العبادة المفروضة ، فتقع مشروعة يثاب عليها ، فتصير جهة الابتداع مغتفرة ، فلا على المبتدع فيها أن يبتدع ، وإما أن يعتبر بجهة الابتداع ، فقد صار للابتداع أثر في ترتب الثواب ، فلا يصح أن يكون منفيا عنه بإطلاق ، وهو خلاف ما تقرر من عموم الذم فيه ، وإن كان الثاني فقد تحدث البدعة الإضافية مع الحقيقية بالتقسيم الذي انبنى عليه الباب الذي نحن في شرحه ولا فائدة فيه.
فالجواب : أن حاصل البدعة الإضافية أنها لا تنحاز إلى جانب مخصوص في الجملة ، بل ينحاز بها الأصلان ـ أصل السنة وأصل البدعة ـ لكن من وجهين ، وإذا كان كذلك اقتضى النظر السابق للذهن أو يثاب العامل بها من جهة ما هو مشروع ، ويعاتب من جهة ما هو غير مشروع ، إلا أن هذا النظر لا يتحصل لأنه مجمل.
والذي ينبغي أن يقال في جهة البدعة في العمل : لا يخلو أن تنفرد أو تلتصق وإن التصقت فلا تخلو أن تصير وصفا للمشروع غير منفك ، إما بالقصد أو بالوضع الشرعي العادي أو لا تصير وصفا ، وإن لم تصر وصفا فإما أن يكون وضعها إلى أن تصير وصفا أولا.
فهذه أربعة أقسام لا بدّ من بيانها في تحصيل هذا المطلوب بحول الله.
فأما القسم الأول : وهو أن تنفرد البدعة عن العمل المشروع فالكلام فيه ظاهر مما تقدم ، إلا إن كان وضعه على جهة التعبد فبدعة حقيقية ، وإلّا فهو فعل من جملة الأفعال العادية لا مدخل له فيما نحن فيه ، فالعبادة سالمة والعمل العادي خارج من كل وجه ، مثاله الرجل يريد القيام إلى الصلاة فيتنحنح مثلا أو يتمخط أو يمشي خطوات أو يفعل شيئا ولا يقصد بذا وجها راجعا إلى الصلاة ، وإنما يفعل ذلك عادة أو تقززا ، فمثل هذا لا حرج فيه في نفسه ولا بالنسبة إلى الصلاة ، وهو من جملة العادات الجائزة ، إلا أنه يشترط فيه أيضا أن لا يكون بحيث يفهم منه الانضمام إلى الصلاة عملا أو قصدا ، فإنه إذ ذاك يصير بدعة ، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
وكذلك أيضا إذا فرضنا أنه فعل قصد التقرب مما لم يشرع أصلا ، ثم قام بعده إلى الصلاة المشروعة ولم يقصد فعله لأجل الصلاة ، ولا كان مظنة لأن يفهم منه انضمامه إليها ، فلا يقدح في الصلاة ، وإنما يرجع الذم فيه إلى العمل به على الانفراد ، ومثله لو أراد القيام