إلى العبادة ففعل عبادة مشروعة من غير قصد الانضمام ، ولا جعله عرضة لقصد انضمامه ، فتلك العبادتان على أصالتهما ، وكقول الرجل عند الذبح أو العتق : اللهم منك وإليك ، على غير التزام ولا قصد الانضمام ، وكقراءة القرآن في الطواف لا بقصد الطواف ولا على الالتزام ، فكل عبادة هنا منفردة عن صاحبتها فلا حرج فيها.
وعلى ذلك نقول : لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزا ، لأنه على الشرط المذكور ، إذ لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام ، ولا كونه سنّة تقام في الجماعات ويعلن به في المساجد ، كما دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب ، وكما أنه دعا أيضا في غير أعقاب الصلوات على هيئة الاجتماع ، لكن في الفرط وفي بعض الأحايين كسائر المستحبات التي لا يتربص بها وقتا بعينه وكيفية بعينها.
وخرّج عن أبي سعيد مولى أسيد ... قال : كان عمر رضي الله عنه إذا صلى العشاء أخرج الناس من المسجد ، فتخلف ليلة مع قوم يذكرون الله فأتى عليهم فعرفهم ، فألقى درته وجلس معهم ، فجعل يقول : يا فلان! ادع الله لنا ، يا فلان ادع الله لنا ، حتى صار الدعاء إلى غير (؟) فكانوا يقولون : عمر فظ غليظ ، فلم أر أحدا من الناس تلك الساعة أرق من عمر رضي الله عنه لا ثكلى ولا أحدا.
وعن سلم العلوي قال : قال رجل لأنس رضي الله عنه يوما : يا أبا حمزة! لو دعوت لنا بدعوات ... فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ـ قال ـ فأعادها مرارا ثلاثا ، فقال : يا أبا حمزة! لو دعوت ... فقال مثل ذلك لا يزيد عليه ، فإذا كان الأمر على هذا فلا إنكار فيه ، حتى إذا دخل فيه أمر زائد صار الدعاء فيه بتلك الزيادة مخالفا للسنّة ، فقد جاء في دعاء الإنسان لغيره الكراهية عن السلف ، لا على حكم الأصالة بل بسبب ما ينضم إليه من الأمور المخرجة عن الأصل ، ولنذكره هنا لاجتماع أطراف المسألة في التشبيه على الدعاء بهيئة الاجتماع بآثار الصلوات في الجماعات دائما.